IMLebanon

كلام يان كوبيتش عن استياء الدول المانحة رسالة انتقاد تحمل إنذاراً شديد اللهجة

 

تباطؤ الحكومة في خطوات الإصلاح يثير شكوك المجتمع الدولي ويضعف موقفها في المفاوضات

 

على أهمية المفاوضات التي تجري بين لبنان وصندوق النقد الدولي، إلا أن الغموض لا يزال يكتنف الأرقام المالية التي قدمها الوفد اللبناني للصندوق، لجهة الفارق بين أرقام الوفد الرسمي الذي يترأسه وزير المالية غازي وزني، وبين ما قدمه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي كانت له تحفظات على الخطة الاقتصادية التي وضعتها الحكومة، وهذا أمر لم يعد سراً بعد الانتقادات العلنية التي وجهها رئيس الحكومة حسان دياب لحاكم «المركزي». ولا شك أن هذا الغموض في الأرقام لا يدعم الموقف اللبناني في المفاوضات مع الصندوق، وهو ما أشار إليه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش الذي اعتبر في تغريدة له، أمس، انّ «الارقام المختلفة التي قدمتها كل من الحكومة ومصرف لبنان حول الخسائر بالإضافة الى عدم احراز تقدم في التعيينات القضائية وغيرها من التعيينات والتأخير في إصلاح قطاع الكهرباء»، عوامل تُضعف موقف لبنان في المناقشات مع صندوق النقد الدولي». وهذا يعكس برأي أوساط سياسية بارزة موقفاً هاماً لا يعبر عن ارتياح دولي لمسار المفاوضات الجارية بين لبنان وصندوق النقد، خاصة وأن التفاوت في الأرقام يعكس إلى حد ما، ضعفاً في الموقف اللبناني، وتبايناً واضحاً في القراءات بين وزارة المالية وحاكمية مصرف لبنان.

 

وفي الوقت نفسه، فإن ما قاله كوبيتش برأي الأوساط السياسية، كما تقول لـ«اللواء»، يعبر عن استياء الدول المانحة من عجز السلطات اللبنانية المتمادي عن إيجاد حل جذري لقضية لعلة الكهرباء المزمنة، حيث بات الجميع مدركاً بأن هناك ما يمكن وصفه بـ«إجماع» لدى المتعاقبين على وزارة الطاقة في لبنان، على الرغبة بعدم إصلاح هذا القطاع، بهدف استمراره مادة للسمسرة وتحقيق الأرباح غير المشروعة، في وقت أبدى العديد من المؤسسات والصناديق الدولية استعدادها لمساعدة لبنان في إصلاح وضع الكهرباء، ما يوفر مليارات الدولارات المهدورة سنوياً على هذا القطاع الذي تحكم جهة سياسية بعينها، قبضتها عليه دون أي تقدم جدي في وضع الكهرباء، رغم كل الوعود التي قطعتها هذا الجهة بتحسن التغذية بالتيار في المناطق اللبنانية. لا بل أن ما حصل كان عكس ذلك تماماً، حيث ساءت الأمور على هذا الصعيد بشكل غير مسبوق، دون أن يتمكن الوزراء المتعاقبون من الإيفاء بما وعدوا به، في وقت فاحت الروائح النتنة من فضائح الكهرباء، عبر صفقات البواخر والفيول المغشوش الذي كان يستورد من سنوات عديدة، دون افتضاح أمره إلا أخيراً، لأن قدرة الشبكات المافياوية كانت أقوى في ستر الفضيحة، قبل انكشاف الأمور على حقيقتها.

 

وتسأل الأوساط في معرض ملاحظاتها على أداء العهد الحكومة المثير للتساؤلات، إذ كيف يمكن للبنان أن يكسب مصداقية المجتمع الدولي في مفاوضاته مع صندوق النقد، فيما يجري احتجاز التشكيلات القضائية التي أقرها مجلس القضاء الأعلى، دون أن يتم الإفراج عنها حتى الآن؟، وهو الأمر الذي قابلته الدول المانحة باستياء شديد، على ما تقوله الأوساط، من خلال ما صدر عن السفير كوبيتش الذي سبق له وأرسل إشارات معبرة في الأشهر الماضية، عن عدم رضى المجتمع الدولي عن تجاهل لبنان للتعهدات التي قطعها للدول المانحة في مؤتمر «سيدر»، بالقيام بخطوات إصلاحية ضرورية أكثر من أي وقت مضى، من أجل أن يحظى بثقة الخارج لمساعدته، وتالياً إخراجه من الأزمة المستفحلة التي يتخبط فيها . وليس أدل على مدى خيبة الأمل العربية والدولية من العهد وحكومته، استمرار الاستياء العربي من لبنان، وهو ما ظهر في تجنب سفراء المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة، إلى سفراء عرب آخرين، زيارة الرئيس دياب ، منذ تشكيل حكومته التي مضى عليها أكثر من مائة يوم، إلى جانب إرسال فرنسا إشارات، لا تعكس ارتياحها لمسار الخطوات الإصلاحية التي ينبغي على لبنان القيام بها، لخروجه من المأزق.

 

شكوى خارجية من بطء مُعيب في طريقة تعامل الحكومة مع الإصلاحات

 

وتكشف الأوساط السياسية، نقلاً عن مصادر دبلوماسية غربية في بيروت، أن هناك شكوى خارجية من بطء معيب في طريقة تعامل الحكومة اللبنانية في ما ينبغي أن تقوم به من إصلاحات، تطمئن المجتمع الدولي الذي لا يزال ينظر بقلق إلى قدرة تعامل لبنان مع الاستحقاقات المقبلة، باعتبار أن تجربته السابقة مع الإصلاح غير مشجعة، ما قد لا يشكل عاملاً مساعداً في المفاوضات القائمة بينه وبين «النقد الدولي»، وسط خشية حقيقية من أن تذهب المساعدات التي قد يقدمها الصندوق هدراً، في ظل استمرار بقاء الوضع على حاله من الفوضى على مختلف المستويات. إذ أن فضيحة الفيول المغشوش، وما يجري في مؤسسات الدولة من فساد وإفساد، لا يبعث على الارتياح، على ما تقوله الأوساط الدبلوماسية، في حين أن ذهنية المحاصصة وتقاسم المغانم، لطخت سمعة لبنان أكثر مما هي ملطخة، بعد تأخير إصدار التعيينات المالية في مصرف لبنان ومؤسسات أخرى، كان يفترض إنجازها قبل مدة، لكي يكون موقف لبنان أكثر قوة وإقناعاً في مفاوضاته مع صندوق النقد.

 

ولا تجزم الأوساط بإمكانية أن يتجاوب «النقد الدولي» مع المطالب التي تقدم بها الوفد اللبناني في المفاوضات، بانتظار أن يجري تقويم شامل لما سمعه وفد الصندوق من الجانب اللبناني، ولما حصل عليه من أجوبة عن الكثير من الأسئلة التي تقدم بها حول كيفية معالجة الملفات الشائكة التي تشكل مصدر هدر كبير في لبنان، إضافة إلى أن التفاوت في الأرقام بين ما قدمه وزير المال، وما قدمه حاكم المصرف المركزي، زرع بذوراً من الشك حول صدقية الموقف اللبناني، وهو أمر قد يترك علامات استفهام كبيرة لدى المجتمع الدولي عن قدرة لبنان على الإيفاء بالتزاماته في المرحلة المقبلة، ولا يعزز بالتالي صدقيته في المحافل الدولية، بعدما أكدت الدول المانحة، أنها تريد أفعالاً وليس أقوالاً. أي أن كل شيئ بات مرتبطاً بالإصلاحات.