IMLebanon

انكشارية «المرشد شاه»

«مولوخ القاتل، مولوخ بالوعة أرواح الشباب، مولوخ الذي اقتحم روحي وأنا فتى، مولوخ الذي فصل وجداني عن جسدي…«. (ألن غنسبرغ، قصيدة عواء)

تعبير «انكشاري» هو اللفظة المعربة من التركية «ينكي جاري» والحرف كاف لا يلفظ في هذه الكلمة ويصبح «يني جاري» أي العسكر الجديد. 

والعسكر الجديد هو ابتداع ظهر في بدايات العثمانيين على عهد «أورخان الأول» سنة 1324 عندما بدأ بتجنيد غلمان من مناطق احتلها فرباهم على الإسلام لقطع صلاتهم بأصولهم الدينية والقومية، وأصبح السلطان العثماني والدهم البديل ومرشدهم الأعلى. 

من بعدها أصبحت الطريقة الصوفية «البكتاشية» العقيدة الجامعة لهذه الفرقة العسكرية التي كانت أهم اسباب انتصارات السلطنة العثمانية على مدى خمسة قرون، إلى أن قضى عليها السلطان محمود الثاني سنة في مذبحة «الإنكشارية«!

الدرس الأول هو أنه ليست المرة الأولى في التاريخ التي تستعمل عقيدة سياسية أو دينية لأكل عقول بشر من مختلف أصقاع الأرض ودفعهم للتضحية بأرواحهم وأبنائهم ومالهم في سبيل امبراطوريات اساسها قومي أو عنصري. 

يكفي أن نذكر الشيوعية كيف طحنت الملايين من البشر على مدى عاماً من أعراق وجنسيات عبر الكرة الأرضية تحت شعارات عقائدية براقة، فاستشهد بسببها الصيني والفيتنامي والياباني، كما الهندي والفارسي والعربي والأوروبي والأفريقي والأميركي شمالاً وجنوباً، والمكاسب والمساومات كانت دائماً بيد موسكو ولحساب امبراطورية أسسها «بطرس الأكبر» قبل قرون، وإن حولها «فلاديمير إيليتش لينين» إلى «اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية«.

أما العبرة الثانية فهي أن نهاية الإنكشارية أتت على الرغم من تضحياتها الطويلة تحت شعار البكتاشية وتحت مرشدية السلطان المعظم، بقرار من المرشد ذاته لأن مصلحة «الدولة العَليّة» لم تعد تتناسب مع وجود هذه الفرقة الباسلة. 

الدرس نفسه كان عند انهيار جدار برلين، فانتهت بذلك المنظومة العقائدية الشيوعية بقرار مركزي روسي، بعد أن قررت روسيا أن مصالحها القومية لم تعد تتناسب مع الشيوعية. يعني أن الملايين من الشهداء الذين لفّت جثثهم المضرّجة بالدماء بالعلم الأحمر، ماتوا فداءً لورقة توت عقائدية غطت عورة المصالح القومية الروسية!

مصيبتنا أننا لا نقرأ التاريخ، وإن قرأنا فإننا نأخذ العبر الخاطئة، وإن أخذنا العبر الصحيحة نظن أننا أفطن ممن سبقنا، فنسير في طريق الكارثة وعيوننا مفتوحة. 

انكشارية «المرشد شاه» عقائديون مخلصون ومؤمنون بأنهم يخدمون البشرية جمعاء بتضحياتهم بحياتهم وقومياتهم ومدنهم وقراهم، وحتى لو ظهر بعضهم بمظهر المرتزقة، لكن التضحيات الكبرى لهؤلاء لا يمكن إلا أن تؤكد حسن نيتهم بأن ما يقومون به يهدف إلى الخير. 

ولكن مَن قال إن الخوارج الذين قتلوا الإمام علي لم يقصدوا خير المسلمين؟ ومن قال إن الحشاشين لم يؤمنوا بحسن مقاصدهم؟ ومَن قال إن «توركيمادا» لم يقصد خير البشرية بقيادته محاكم التفتيش الإسبانية، أو «روبسبيير» في حكم الإرهاب لنصرة الثورة الفرنسية، أو «تروتسكي» أو «لينين» أو «ستالين» أو «كيم ايل سونغ» أو «بول بوت» وصولاً ومروراً بصدام ومعمر وبشار…؟

لائحة لا تنتهي من الأهداف السامية التي عبّدت طرق الجحيم. 

اليوم تمكنت إيران تحت رعاية «المرشد شاه» من أن تنشئ عقيدة جمعت حولها انكشارية أشداء وبواسل وغالبون، تحت راية «حزب الله« و«أنصار الله« و«عصائب أهل الحق« وغيرها من المجموعات التي وضعت نفسها تحت رعاية «المرشد شاه« الإيراني، وتنكرت لأصولها ولروابط القربى وقاتلت وقتلت أبناء جلدتها وعشيرتها ووطنها وأمّتها، ودمرت مدنها وبيوتها رهناً لإشارة «المرشد شاه«، في وقت حفظت الأرواح والمدن الفارسية من كل أذى. 

المصيبة هي أن لا أحد من إنكشارية الشاه يفكر في مصيره عندما تنهار منظومة العقائد والأساطير يوم يعي الفرس أن مصالحهم لا تتناسب مع العقائد؟ 

() عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»