IMLebanon

الجراح من اليسار المتطرّف إلى يمين الحريرية

ترسم السيرة الذاتية لوزير الاتصالات الجديد النائب جمال الجراح لوحة موزاييكية قد لا تختلف عن الكثير من السياسيين الذين نقلوا أفئدتهم «حيث شاؤوا من الهوى»، من دون أن يكون هناك من حب للحبيب الأول.

فالجراح مقاصديّ التربية. مرّ في اليسار اللبناني المتطرف من بوابة «حزب العمل الاشتراكي العربي»، واحتلّت القضية الفلسطينية جزءاً من اهتماماته عبر «جبهة التحرير الفلسطينية»، صنو «حزب العمل»، وكان ناشطاً في «اللجان الثورية الليبية» (بزعامة معمر القذافي) حتى أواخر الثمانينيات، وانتهى في حضن الحريرية السياسية، انتماءً وتفرغاً ونهجاً.

مع تعيينه وزيرا في الحكومة الجديدة من ضمن حصة تيار «المستقبل» الذي ينتمي إليه، يستعد الجراح لخوض مواجهته الانتخابية الثالثة بوجه خصمه اللدود الوزير السابق عبد الرحيم مراد، الذي له الفضل في وصله بفؤاد السنيورة وتوظيفه في «بنك البحر المتوسط»، حيث تسلّق سلم الهرم الوظيفي، حتى صار مديرا إقليميا لـ «المتوسط» في البقاع.

هذا التطرف في الخيارات يمينا ويسارا جعله، وبفضل رفيق الحريري، على صلة وثيقة بعبد الحليم خدام النائب السابق للرئيس السوري، حتى إنه كان يرعى «المحفظة المالية» لآل خدام ويتولى «تشريج» بطاقاتهم المصرفية من جيب رفيق الحريري.

وعندما خرجت سوريا من لبنان، وخرج عبد الحليم خدام من سوريا لينشق عن النظام ويصبح لاجئا سياسيا في باريس، تدخّل لدى سعد الحريري من أجل ضمان مقعد نيابي في عام 2009 للجراح، وهكذا كان.

غنى تجارب الجراح يتناغم مع سيرة محيطه وبيئته العائلية حيث نشأ في بيت مفتوح على الخدمات والناس عبر احتفاظ والده سليم الجراح بالمقعد الاختياري في بلدته المرج في البقاع الغربي على مدى 23 عاماً، إلى انخراط شقيقه في خدمة الدولة وصولاً إلى شغله مركز قائد منطقة البقاع الأوسط في الامن العام اللبناني (العميد المتقاعد ناظم الجرّاح).

لكن خدمة الناس والدولة لم تجنّب العائلة كأس تورط ابن أحد اشقائه في هجمات 11 أيلول، وهو زياد الجراح، الذي كان واحداً من منفذي الهجمات بأمر من زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن.

يقال في النائب والوزير جمال الجراح (مواليد 1956) إنه ممثل «القوات» في «تيار المستقبل»، في إشارة إلى «تطرفه» السياسي أبعد من «14 آذار». من هنا، ينطلق محبوه لوصفه بأنه أحد «صقور» التيار الأزرق لا فقط على خلفية تصريحاته النارية وخصوصا ضد «حزب الله»، بل أيضاً بمواقفه من أزمة عرسال واستباحتها من المسلحين. فقد بقي الجراح، حتى بعد «غزوة آب» 2014، يدافع عما يسميه «كتلة مدنية» من الأطفال والنساء نافيا وجود أي مسلحين وقطعة سلاح في البلدة المخطوفة..

حدّة الجراح في تصريحاته السياسية ليست غريبة عن علاقته بالمقترعين في الصناديق. لا يُعرَف عن الرجل بناء علاقات سلسة مع ناخبيه برغم تميّزه عن زميله زياد القادري لناحية تقديم بعض الخدمات والحضور على الساحة السياسية عامة والبقاعية خاصة، وفي البقاع الغربي تحديداً. وهي خدمات رفعت الأصوات الناخبة التي حصل عليها في عام 2009 إلى 33 ألفا و389 صوتا بعدما فاز بانتخابات عام 2005 بـ 25 ألفا و682 صوتاً.

وفي توزير الجرّاح يتحدث البعض عن خيارات حريرية ضيقة عشية الانتخابات النيابية المزعومة، ومعها السعي لتمثيل البقاع الغربي في الحكومة من بوابة كبرى بلداته السنية، المرج، مسقط رأس الجراح.

ولعل أحد أبعاد توزير الجراح هو تقويض التقارب والتفاهم ما بين الحريري وعبد الرحيم مراد، لا فقط من بوابة وضع الحريري «فيتو» على توزير الأخير، بل أيضاً في التوجه لإعادة ترشيح الجراح على اللائحة الزرقاء في البقاع الغربي.

يرى مراقبون في توزير الجراح أيضاً محاولة لشد عصب «المستقبل» الانتخابي وتقوية زعامة سنية في منطقة تعتبر الثقل الأكبر للساحة الحريرية في البقاع وخصوصا في ظل حظوظ ضعيفة جداً إن لم تكن معدومة لاعتماد قانون انتخابي قائم على النسبية.

نال الجراح حقيبة خدمية تلعب فيها حسابات سياسية انتخابية بامتياز بعد أن كان وزير الصحة السابق وائل أبو فاعور الوزير الخدمي الأول لكل الطوائف في منطقة البقاع الغربي خلال السنوات الخمس الماضية، في ظل غياب «نجم» خدمي حريري عن المنطقة. ولا يُنسى أن منافسه عبد الرحيم مراد يمتلك رصيدا شعبيا عبر خدماته الشخصية ومؤسساته المتشعبة في الساحة الانتخابية نفسها.