IMLebanon

جواد عدرا… «عايز مستغني»!

 

هل التعثر المتجدد في تشكيل الحكومة هو «كبوة جواد»، أم أنّ خلفه أسباباً أكثر تعقيداً؟ فجأة، تحوّل رئيس مجلس إدارة شركة «الدولية للمعلومات» جواد عدرا من مشروع حل للعقدة السنية، الى عقدة قائمة في حد ذاتها، تحت وطأة الحسابات المتباينة او التفسيرات المتعارضة لمبادرة الحل بين كل من رئيس الجمهورية ميشال عون و»اللقاء التشاوري» للنواب السنّة المستقلين وحلفائه.

 

وبينما تكثر التأويلات والمقاربات لأبعاد ما جرى خلال الساعات الماضية من تراجع دراماتيكي في مسار تشكيل الحكومة، لا بد من التساؤل: أين يقف عدرا نفسه ممّا يحصل؟ وما هي حقيقة تموضعه السياسي؟ ولماذا قرر «اللقاء التشاوري» سحب الثقة منه؟

 

بين ليلة وضحاها صار عدرا في قلب الحدث، وبات يرى كثيرون فيه ذاك «الجواد» الذي سيُخرج الحكومة من النفق الى النور. أمّا الرجل المتخصص في الارقام والاحصاءات، فلم يكن يخطر في باله أنه سيصبح «الرقم الصعب» في معادلة تسوية العقدة السنية، قبل ان يتبيّن انه تحوّل ضيفاً غير مألوف على جدول الحساب اللبناني، المعروف بقواعده الخاصة، حيث أنّ 1 + 1 لا يساوي 2 بالضرورة!

 

تعددت العروض التي تلقّاها عدرا بعد وضع اسمه قيد التداول الوزاري. صحيح انّ «اللقاء التشاوري» هو الذي اقترح علناً الاستعانة بخدماته في الحكومة المقبلة، لكنّ الصحيح ايضاً انّ «تكتل لبنان القوي» حاول كذلك استقطابه وضَمّه الى صفوفه، أمّا المفاجأة الأكبر فهي انّ «القوات اللبنانية» جَرّبت حظها أيضاً معه، وأبلغت إليه، في رسالة تَخلط بين المزاح والجد، عن استعدادها لاستضافته في تكتلها النيابي إذا وجد ذلك مناسباً.

 

عند ترشيحه للدخول الى الحكومة، كما عند سحب ترشيحه، بقي عدرا محافظاً على رباطة جأشه وتوازنه. لم يُبهره مشروع التوزير الذي اقتحم «جزيرته» من دون سابق إنذار، ولم يُحبطه قرار إعفائه السريع من دور عُرض عليه ولم يَسع إليه.

 

ويبدو أنّ ما شجّع عدرا، في البدء، على التجاوب مع عرض التوزير، اعتقاده بأنه سيكون مشروع حل ينقذ الحكومة العالقة في عنق الزجاجة، وليس مشروع مشكلة يرهقها بمزيد من التعقيدات ويؤخّر ولادتها وقتاً إضافياً. فوجئ الرجل بالتجاذب الحاد الذي حصل حول اسمه بعد طرحه، بعدما كان يتوقع على الأرجح «عبوراً آمناً» للحدود بين القوى السياسية التي توافقت على مبادرة رئيس الجمهورية.

 

ذهاباً وإياباً، بقيت أعصاب عدرا هادئة وباردة، على قاعدة أنه «عايز مِستغني». هو لا يريد أن يصبح وزيراً بأيّ ثمن، وكيفما اتفق، وقد أسَرّ الى بعض القريبين منه بأنه ليس مستعداً في عمر الـ64 للتنازل عن مبادئه الوطنية والشخصية، من أجل الحصول على لقب «معالي الوزير»، وأنه كان مستعداً لتولّي المهمة ربطاً بمردودها العام وليس الفردي.

 

ولذلك، كان عدرا حريصاً خلال التفاوض معه على عدم الانزلاق الى أي اصطفاف مسبق ومقفل، من شأنه أن «يُعلّبه» في مجلس الوزراء ويُكبّل حركته.

 

ووفق العارفين، فإنّ صوته في الحكومة كان سيصبّ في الاتجاه الذي يقتنع به، تِبعاً للملف المطروح، مع تأكيد هؤلاء انّ عدرا لا يمكن أن يحيد عن البوصلة وانه ملتزم بثوابت أساسية غير قابلة للمساومة، وهي تحصيل حاصل بالنسبة إليه، سواء لناحية دعم خيار المقاومة في مواجهة العدو الاسرائيلي او لجهة اقتناعه بالعلاقة الاستراتيجية مع سوريا، علماً أنه مؤسّس متحف «نابو» في منطقة الهري، الذي يعنى بحضارة ما بين النهرين.

 

والمحيطون بعدرا ينقلون عنه تأكيده انّ النقاش ما كان يجب ان يتركّز حصراً على خياراته السياسية كما فعل البعض، لأنّ وجوده في الحكومة لا يقدّم ولا يؤخّر في هذا المجال، بينما كان يمكن ان ينطوي على تأثير إيجابي ونوعي في قضايا اقتصادية واجتماعية، يملك الرجل مقاربات علمية لها، إنطلاقاً من خبراته المكتسبة بعد تجربته في شركة «الدولية للمعلومات» و»جميعة إنماء» اللتين أسسهما بعد عودته من المهجر عام 1994، عقب مغادرته لبنان عام 1972.

 

ونقل عن عدرا استغرابه كيف أنّ أحداً لم يبحث معه على سبيل المثال، خلال مناقشة احتمال توزيره، في ملفات الكهرباء والنقل العام والبيئة وسكك الحديد والوضع الاقتصادي، «وهذه كلها مسائل حيوية تهم الناس».

 

وعندما توجّه أحد أصدقاء عدرا بسؤال إليه عن سبب طلبه مهلة ومهلتين وأكثر قبل أن يحسم أمره، كما ورد في أحد بيانات «اللقاء التشاوري»، أجابه على سبيل الدعابة: «للدقة، طلبت مرة واحدة إعطائي ساعتين حتى أفكر وليس حتى أتشاور مع أحد، ولكن إذا كان «اللقاء» يفترض أنني طلبت بعض الوقت لكي أتشاور، فهذا يعني أنني ملتزم به، لأنه في الأساس لقاء يقوم على التشاور، ولذا سمّي باللقاء التشاوري».