تتفاقم أزمة النفايات في لبنان بشكل ملحوظ، حيث تشكل مسألة إدارة هذا القطاع تحديا حادا ينجم عنه تأثيرات بيئية وصحية مهلكة. في ظل غياب التخطيط البيئي الفعّال والإجراءات الحكومية الملائمة، أصبحت عمليات حرق النفايات في المطامر من قبل النكيشة، الذين يلجؤون إلى إشعال النار للحصول على المعادن والأدوات القابلة للبيع، تتكرر بشكل مرعب. يحرق هؤلاء المنقبون كميات كبيرة من القمامة بدافع تحقيق أرباح مالية سريعة، مما يؤدي إلى تفشي الدخان والملوثات في الهواء، ويزيد من معاناة السكان ويعمق الأزمة البيئية. بينما يعاني لبنان من أزمة مستفحلة في تنفيذ السياسات البيئية وإدارة النفايات، بسبب اهمال المعنيين لا سيما الجهات المختصة في هذا المجال. لذلك، تبقى الحاجة ملحة لإيجاد حلول جذرية وشاملة لمعالجة هذه القضية الملحة التي تهدد الصحة العامة والبيئة على حد سواء.
وزير البيئة يعتذر وخطار يعترف!
وفي سياق متصل بحريق مطمر الجديدة، صرح وزير البيئة في حكومة تصريف الاعمال ناصر ياسين قائلا: “لسنا مسؤولين عن الادارة اليومية لملف النفايات، ونعتذر من أهالي ساحل المتن لان ما حصل بالأمس جريمة وفيه ضرر كبير وما كان يجب ان يحصل لو كانت الإدارة سليمة”.
في المقابل، أشار المدير العام للدفاع المدني العميد ريمون خطار الى ان “حريق مكب النفايات في برج حمود تحت السيطرة، وأن عناصر الدفاع المدني موجودون في المكان لمراقبة الوضع واستكمال عمليات التبريد. ولفت الى ان التنسيق مع عدد من الجهات ساعد في الحد من انتشار الحرائق، وأفاد بأن التحكّم بالنيران بلغ حوالى 90%، ونحن في المرحلة النهائية لإهمادها”.
وفي حديث إعلامي، كشف عن أن أغلب الحرائق مفتعلة، داعياً الأجهزة والبلديات والمعنيين إلى القيام بواجباتهم وفتح تحقيقات في الأسباب، مشيرا إلى ضرورة يقظة كل مواطن لأي تحركات مشبوهة قد تهدد حياته”.
فوق المشكلات الصحية… امراض إضافية!
تقول طبيبة متخصصة في الصحة العامة من مستشفى الروم لـ “الديار”: “قد تطرأ أمراض كثيرة نتيجة استنشاق المواطنين للروائح السامة الناتجة من حريق مطمر الجديدة. قد يسبب هذا التعرض أعراضاً صحية متعددة، منها: مشكلات تنفسية مثل السعال وضيق التنفس والتهاب القصبات الهوائية، والتي قد تتطور إلى الربو. كما يمكن أن يؤدي إلى تهيج العينين، بما في ذلك الاحمرار والدموع والحكة، وامراض جلدية مثل الحساسية والطفح الجلدي”. واردفت، “بالإضافة إلى ذلك، قد يتسمم الجهاز العصبي، ويصاب الافراد بالصداع والدوخة والغثيان نتيجة التعرض لمركبات كيميائية سامة، الى جانب مشكلات في الجهاز الهضمي مثل القيء والإسهال”.
ونبهت في الختام الى ان “هذه القضايا على المدى الطويل، قد تزيد من خطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي المزمنة أو السرطانات نتيجة التعرض المستمر للملوثات. للحماية من هذه الاعراض الصحية، من المهم اتخاذ تدابير احترازية مثل البقاء في أماكن مغلقة ذات تهوية جيدة واتباع النصائح الصحية المحلية”.
الحلول موجودة والعبرة في التنفيذ
من جانبه أكد خبير في اعادة تدوير النفايات لـ “الديار” انه “يمكن تبني عدة استراتيجيات، لمعالجة مشكلة النفايات في لبنان بطرق فعالة ودون الحاجة إلى مشاريع وهمية. لذلك، يجب اتباع الإجراءات الاتية:
أولاً، توعية المواطنين بأهمية فرز النفايات من المصدر لتقليل الكمية التي تصل إلى المطامر. ثانياً، ينبغي إنشاء مراكز محلية للرسكلة واسترجاع المواد القابلة لإعادة التدوير، مع دعم مبادرات تعاونية مع القطاع الخاص.
ثالثاً، من الضروري الاستثمار في تقنيات تحويل النفايات العضوية إلى سماد.
رابعاً، يجب تشجيع الابتكار من خلال دعم المشاريع التي تستخدم القمامة كمواد خام لإنتاج منتجات جديدة.
خامساً، يتطلب الأمر تنفيذ قوانين صارمة بشأن إدارة النفايات ومراقبة تطبيقها.
سادساً، يستلزم إقامة “شراكات” مع منظمات دولية ومحلية للحصول على الدعم الفني والمالي.
وختم، “من الضروري تنظيم حملات توعية لتعريف المواطنين بأهمية إدارة النفايات والحفاظ على البيئة. تعتمد فعالية هذه الحلول على التنفيذ الجاد والتعاون بين الحكومة والمجتمع المحلي، ويمكن تحقيق نتائج ملموسة دون الحاجة إلى إنفاق كبير أو خطط غير مجدية”.
الإهمال الحكومي وعمل النكيشة يتجذران!
يوضح رئيس التجمع اللبناني للبيئة، المهندس مالك غندور، لـ “الديار” أن “الحريق في مطمر الجديدة -برج حمود، قد لا يكون مفتعلاً بقصد مباشر، ولكن لا شك أنه ناجم عن الأعمال العشوائية من قبل النكيشة الذين يلجؤون إلى إشعال النار بكميات معينة من النفايات بغية استخراج المعادن. ونتيجة لذلك، يتمدد الحريق إلى درجة خارجة عن السيطرة، مما يفضي الى الكارثة التي حدثت مؤخرا في مكب الجديدة، الذي يعتبر أصلاً موقعاً خطراً وحساساً نتيجة الكب العشوائي بعد توقف معمل الفرز والمعالجة في الكرنتينا مما يفرض صعوبات في اتخاذ القرار الصائب لإعادة انتظام إدارة النفايات”.
الإجراءات الحكومية… مفقودة
وأشار إلى أنه “في الوقت الذي لا تعمل فيه وزارة البيئة على إنجاز الآليات التنفيذية بالتعاون مع الإدارات المعنية لتشكيل مجلس موحد لإدارة النفايات الصلبة، الذي ترأسه “البيئة” ويكون مسؤولاً عن اتخاذ القرارات ومعالجة المخلفات على المستوى الوطني، تظل التدابير الحكومية غائبة وغير فعالة”.
حاجة ماسة إلى الوسائل الوقائية… والا!
وشدد على أنه “لا بد من وضع إجراءات تحسُّبية وحماية صارمة لهذا الموقع وغيره من المواقع الحساسة، ومنع العبث بها والتسبب بكوارث مضرة بالإنسان والبيئة”.
تأثير حرق الفضلات في الصحة العامة والبيئة
وختم محذرا من ان “حرق النفايات في الفضاء العام يعرض صحة الناس للخطر ويلحق الأضرار الجسيمة بالبيئة، اذ يؤدي إلى انتشار الملوثات في الهواء. ويشكل تهديداً رئيسيا للأشخاص الذين يقومون بنبش القمامة بالإضافة إلى عمال المكب وسكان المناطق المحيطة، حيث تصل هذه الملوثات إلى مسافات بعيدة وفقاً لاتجاهات الرياح. وتنتج من هذه الانبعاثات الإصابة بالتهابات جلدية وعضوية وحساسية شديدة، فضلا عن تأثيرها في النظام الطبيعي. علاوة على ذلك، ينجم عن انبعاث الغازات الدفيئة مثل الميثان وثاني أكسيد الكربون، الاحتباس الحراري وانتشار الديوكسين والفيورانات، وهي مواد تسبب السرطان على المدى البعيد. وعلى المدى القريب، تؤدي هذه الانبعاثات الى حرقة في العيون والأنف والحنجرة، وصعوبة في التنفس، وصداع، وقيء”.