أغار من أنجلينا جولي، ليس لأنها ممثلة نادرة وعظيمة، وليس لأنها امرأة مشهورة وجميلة، بل لأنها استطاعت أن تقف أخيراً أمام مجلس الأمن وتُسمعه صوتها الشجاع و”تبخع” أعضاءه في عقر دارهم بسبب قصورهم عن مساعدة اللاجئين السوريين، وعن الوقوف عملياً إلى جانبهم في محنتهم الكبرى التي نكبهم بها نظامهم الاستبدادي، والنظام العالمي على السواء.
أنا معجبة مثل غيري بمسيرة هذه المرأة الهائلة، وخصوصاً بالجانب الإنسانوي من حياتها الشخصية والعائلية، ولا سيما في مسألة الأطفال الذين تبنّتهم، وأرسلت إليهم من عينيها ونظراتها، وحنان قلبها، وعطف يديها، وازدهار عقلها، وكرم حبّها، ما سيجعلهم بالتأكيد رسل حقّ وحبّ وسلام وحرية في هذا العالم الجائر الذي ينضح جبناً ودماً، حتى ليكاد يكون عالماً جحيمياً يلفّه الظلم الجماعي من أقصاه إلى أقصاه. تابعتُ في الأيام الأخيرة نشاطها عبر التلفزيون والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، وعيشها المأساة السورية عن كثب، حيث الإنسان رهين القدر الأسوَد واليأس والتشرد والذلّ والمهانة.
ما أقسى أن يكون هذا الانسان مذبوحاً في كرامته وحلمه، وما أجمل أن تمتد إليه يدٌ شريفة، متواضعة، كريمة، لا ادّعاء فيها، ولا اصطناع، ولا تفلسف، لتطرد بعض الخوف والجوع واليأس من عقله وقلبه، ولتمسح عن جبينه العار الذي لا يزال يرتكبه النظام السوري وزبانيته من قوى التكفير والإرهاب. كم نحن في حاجة إلى مئة امرأة من هذا النوع، بل إلى ألف، بل إلى مليون، ليكنّ رسولات حبّ في أصقاع هذا العالم الماجن والمجنون.
أتذكر الصمت الدولي المتواطئ والجبان، حين كان لبنان يتلوى بين أنياب القاتل. أتذكر سنوات الخوف التي عشتُها في الملجأ، تحت الدويّ، وتحت سطوة الأخبار التي تنذر بالاجتياحات من كل حدب وصوب. لم يكن ثمة أنجلينا جولي، ومثيلاتها، وأمثالها، بل وحوش ضارية، مستشرسة، تريد شيئاً واحداً: كيف تقتل كل أمل لدى الأطفال اللبنانيين، وكيف تنشّئهم التنشئة المرهونة للأمراض النفسية والجسدية التي لا شفاء منها.
وماذا أقول عن أطفال اليمن والعراق وفلسطين الذين يلتهمهم الموت الفردي والجماعي التهاماً همجياً، ولا يجدون من يطفئ النيران المشتعلة في شرودهم وتيههم الهائلين؟
أجل، أغار من أنجلينا جولي. أغار من شجاعتها، من نبلها، من إنسانيتها، ومن قدرتها على العطاء، بينما كل ما في ظروف حياتها قد يغويها بترف اللامبالاة. أغار منها ولا أستحي بغيرتي هذه، لا بل أتمنى لو يغار منها قادة هذا العالم أجمعون، ليحسّوا “على دمهم”، ويتذكروا أنهم بشر.