Site icon IMLebanon

العلّية يطلب معاقبة الكازينو… ويعفي MEA من قانون الشراء العام

   

بسبب «تمادي إدارة كازينو لبنان في الامتناع عن تطبيق قانون الشراء العام وعدم تجاوبها مع كتب الهيئة ووزير المال يوسف الخليل»، راسل رئيس هيئة الشراء العام جان العلّية ديوان المحاسبة قبل ثلاثة أيام، طالباً تغريم الكازينو استناداً إلى المادة 112 من قانون الشراء التي تجيز لديوان المحاسبة عفواً أو بطلب من الهيئة فرض غرامات مالية على الجهات التي تخالف القانون تتراوح بين 20 و200 ضعف الحد الأدنى للأجور النافذ بتاريخ وقوع المخالفة.

 

وكان الخليل وجّه كتاباً إلى إدارة الكازينو في 12 الجاري، بناءً على طلب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، يطلب فيه وقف العمل بعقد تلزيم ألعاب الميسر إلكترونياً الذي وقّعه الكازينو بداية العام الجاري مع شركة «OSS» وإيداع الوزارة المستندات المتعلّقة بهدف عرض الملف على كل من ديوان المحاسبة وهيئة الشراء العام. وعلمت «الأخبار» أن إدارة الكازينو لم ترسل المستندات المطلوبة، فيما سُجّلت زيارة لرئيس مجلس الإدارة رولان الخوري لوزير المال أول من أمس، علماً أن «الأخبار» حاولت التواصل مع الخوري للاستيضاح إلا أنه لم يجب على الاتصالات.

 

وكانت إدارة الكازينو قد اعتمدت في التلزيم على رأي قانوني خلاصته أن «الكازينو شركة خاصة، طالما أن رئيس مجلس الإدارة تعيّنه جمعية عمومية لا مجلس الوزراء. وطالما أنّ الأرباح توزّع على المساهمين، وبمن فيهم المساهم الأكبر شركة إنترا التي تعتبر نفسها غير خاضعة للشراء العام»، فيما تعتبر الهيئة أنه وفق تعريف المادة الثانية من قانون الشراء العام للجهات الشارية الخاضعة لأحكامه «يعدّ كازينو لبنان واحداً منها».

وعليه، ينتظر أن يحسم ديوان المحاسبة الخلاف حول خضوع الكازينو لقانون الشراء العام، وكذلك خضوع كل من شركة «ميدل إيست» و«الريجي» للقانون، بعدما تسلّم الديوان تقريراً من العلّية أول من أمس، اطلعت عليه «الأخبار»، يشرحُ فيه مقاربة الهيئة للشركات الثلاث، مستنداً إلى المادة الثانية من القانون التي تنصّ على شرطين لخضوع المؤسسات للشراء العام هما: تملّك الدولة حصّة فيها وأن تعمل في بيئة احتكارية. وجزم العلّية بأن الكازينو و«الريجي» يخضعان للشراء العام، لأن الأول تأسّس بقانون صادر عام 1954، أجاز استثمار نادٍ وحيد للقمار في لبنان، ما يجعله يحتكر ألعاب الميسر الشرعية، وكل أماكن اللعب والمنصات الأخرى تعدّ سوقاً سوداء. كما تملك فيه الدولة حصة عبر مصرف لبنان وتخضع أمواله لوصاية وزارة المال وتدخل ضمن حسابات الموازنة. والأمر نفسه ينطبق على «الريجي» التي تدير الحكومة شؤونها الإدارية وتخضع أموالها لوصاية «المالية»، كما تحتكر مرفق التبغ والتنباك وحدها.

 

 

إلى هنا، لا خلاف بين العلّية والآراء القانونية الأخرى. أما الإشكالية الأساسية فترتبط بإعفاء العلّية لـ«MEA» من أحكام الشراء العام. إذ اعتبرها «تملك حقاً حصرياً كشركة وطنية وحيدة ولا يسمح لأي شركة لبنانية أخرى بتسيير الرحلات». لكنه لم يجد في ذلك احتكاراً لأن «قطاع النقل الجوي ليس حكراً عليها، طالما أن هناك شركات طيران عالمية تعمل في مطار بيروت، ويمكن للمسافر السفر على متنها ويدفع ثمن البطاقة وفقاً لاختياره هو بين الميدل إيست أو أي شركة أخرى، وهو غير ملزم بالسفر عبر الميدل إيست. كما أنها لا تدير الطيران الجوي ولا تتحكم في كل الرحلات لجهة عددها ومواعيد إقلاعها، إنما هذا التنظيم بيد المديرية العامة للطيران المدني». بهذا المعنى لم يجد العلية أن عمل طيران الشرق الأوسط يتطابق وقانون المنافسة الصادر في 2022، الذي وصف الاحتكار بأنه «التحكّم… بشكل مباشر أو غير مباشر في توفير كمية وأسعار منتج ما، لا يمكن استبداله بمنتج آخر…» طالما أن «شركات الطيران العالمية متاحة للبنانيين في المطار».

خبير القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية عصام اسماعيل يخالف العلّية لجهة أن لا فرق بين الحصرية والاحتكار، استناداً إلى اجتهاد مجلس شورى الدولة الذي استقرّ على تفسير أن الاحتكار يمارس من خلال الحصرية، في عدّة قضايا نظر فيها. ومن الأمثلة يستند اسماعيل إلى قرار الشورى (رقم 459 تاريخ 16/4/98) وفيه: «حصر ٳقامة المعارض الدولية في معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس يتضمن بالواقع منح المعرض احتكاراً لإقامة هذه المعارض دون أن يكون له أي منافس في هذا المجال. وبما أن استعمال عبارة «حصر» بدلاً من عبارة «احتكار» لا يؤثر مفعوله تجاه سائر الشركات التي تتولى إقامة وتنظيم المعارض»، والموقف ذاته تبنّاه الشورى لتعريف الحصرية بأنها احتكار في قراره رقم 664/2015-2016 تاريخ: 26/5/2016.

 

وفي حين اعتبر العلية أن الحصرية تمنح بقرار، والاحتكار يمنح بقانون، والـ«MEA» لم يصدر قانون بشأنها يجيز الاحتكار. يعتبر اسماعيل أن الحق الحصري المعطى للميدل إيست مستمد من المادة السابعة من المرسوم الاشتراعي رقم 28 تاريخ 5/8/1967، التي تنصّ على أنه لا تعطى ترخيصات جديدة إلى شركات أو أفراد لبنانيين لاستثمار خطوط جوية إلا بعد تعذّر الأمر على الميدل إيست، وبذلك تجد سندها في نص ذي قوة تشريعية، كالذي يشترطه العلية. ولكل ما تقدم، يرى اسماعيل أن شركة طيران الشركة الأوسط تخضع لقانون الشراء العام، وخصوصاً أن أموالها تعدّ أموالاً عمومية للدولة، ولهذا «ما كان على هيئة الشراء العام أن لا تتحمل عبء عدم إخضاعها للقانون الذي سيفتح أمام الإدارة باباً للتملّص من أحكام القانون من خلال استبدال نظام المؤسسة العامة بنظام الشركات غير الخاضعة لقانون الشراء العام».

حجج العلّية في الشق المالي تنطلق من عدم وجود وصاية لوزارة المالية على أموال الـ«MEA» التي لا تدخل إلى حساب الخزينة. وفي الصعيد القانوني من أن «الاعتماد على اجتهادات شورى الدولة يصح في غياب التشريع، أما وإنّه أصبح لدينا نص قانوني صريح هو قانون المنافسة يفسّر الاحتكار، ولا ينطبق على الميدل إيست، فهو مستند أقوى من الاجتهاد»، مضيفاً «الحق الحصري قد يخلق احتكاراً، لكن ليس بالضرورة أن ينتج عن كل حق حصري احتكار. ولو أن الميدل إيست تسيّر رحلات داخل لبنان كشركة وحيدة نتحدث حينها عن احتكار، أما وأننا خرجنا الى النطاق العالمي فلا احتكار».

 

الأكيد أن فلسفة الحقوق الحصرية يجب السعي إلى إلغائها، والأكيد أيضاً أن لا ضرر من مراقبة عمل الـ«MEA» ذات التاريخ غير الناصع بالمطلق. فمن سيفعلها؟ ديوان المحاسبة أم المشرّع الذي رمى العليّة الكرة في ملعبه لتعديل القانون وإخضاع المؤسسات بالأسماء؟