IMLebanon

جان العليّة… موظّف برتبة “قانون”!

 

 

ثمة انطباع ملتبس لدى الرأي العام: إدارة المناقصات تعني مناقصة البواخر. وكأنّ هذه الهيئة الرقابية لا شغل لها إلّا هذا الملف – اللغز. ليس لأنّ رئيسها متفرّغ لممارسة شتى طقوس المشاغبة بحق وزراء الطاقة العونيين ما يخرجهم من عِقالهم، بل لأنّ الخلاف التاريخي بين جان العلية وهؤلاء، بسبب مناقصات الكهرباء، يملأ الدنيا ويشغل الناس.

 

لماذا كل هذه الضجّة؟ لأنّ كل مشتريات الدولة تمرّ من هناك، لا بل إن تجاوز إدارة المناقصات لتحويل المناقصة إلى استدراج عروض أو عقد بالتراضي يتطلب قراراً في مجلس الوزراء. وفق المدافعين عن جان العلية، فإنّ التصاق الرجل بالقانون، هو الذي وضعه في مواجهة مستمرة مع الجالسين على كرسي يدير “مغارة الاستثمارات”. يسير على “الزيح” ويرفض أن يحيد عنه قيد أنملة. لا يقرأ إلا في كتاب القانون إلى درجة “السآلة”.

 

وهذا ما يدفعه إلى التذكير أحياناً بأنّه “كي تصبح المزايدة شفافة يلزمها ارادة الوزارة التي تعود لها المزايدة، وهذا الشيء توفر مثلاً في شخص يوسف فنيانوس حين كان وزيراً للأشغال العامة (مناقصة السوق الحرة)، لأنّه متى كان دفتر شروط المزايدة واضحاً وشفافاً، فهو يتيح المنافسة ولا يفصّل على قياس اشخاص، ومتى كان المسؤول عن مراجعة هذا الدفتر، هو وزير مثل الوزير فنيانوس، ينطبق عليه في علم الادارة، وهذا الواقع، صفة القائد، لانه كان يقرأ دفتر الشروط، كلمة كلمة، ويسأل عما اذا كان ينطبق على القانون”.

 

وفق منتقديه، يتخذ من أي خلاف حجّة لتوسيع نطاق استقلالية إدارته فصار يتدخل بالتقنيات والمواصفات، واللجوء إلى الإعلام لحشد الرأي العام إلى جانبه. ويتصرّف وكأنّه وحده صمام أمان الإدارة اللبنانية وحارسها المخلص. يغرق في التفاصيل والأخذ والرد. أما توقيت اطلالاته فيثير الشكوك، وكأنّه مدفوع من جهة ما.

 

ولكن أياً من الفريقين، لا يستطيع أن يرمي جان العلية بتهمة الفساد أو الانحياز لأي طرف سياسي، ولو أنّه لا ينكر أنّه متأثر بنهج العماد ميشال عون الذي زكّاه بالاسم في العام 2012 لموقع رئاسة إدارة المناقصات، لكونه “آدمي وقبضاي”.

 

لا بل يقول أحد عارفيه عن كثب: يكفي أن يكون على خصومة مع كل الطبقة السياسية لإثبات صفة النظافة. لا حاجة للتدقيق في حساباته المصرفية، لأنّ رصد سلوكه الحياتي، من نوع سيارته إلى أثاث منزله، يبرّئه من “لوثة” فتح “جاروره” لأي من السياسيين وهو الذي يدقق في تلزيمات تقدّر بالمليارات. كما أنّ الموظف الذي يحمل دكتوراه في علم الإدارة، كان بإمكانه تسلّق المواقع الإدارية سريعاً لو كان مرتهناً لأي طرف.

 

أكثر من ذلك، يروي بعض الحقوقيين العاملين مع الاتحاد الأوروبي أنّ الأخير يحرص على دعمه بالخبرات التقنية والفنية للتدقيق في عمق دفاتر الشروط التي ترده، وهذا أحد جوانب الخلاف مع وزراء التيار الذين يعتبرون أنّ البحث في المواصفات الفنية ليست من صلاحية إدارة المناقصات. ولهذا سارعت أمس وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني إلى التغريد قائلة: “لمن اختلط عليه الأمر، إنّ إدارة المناقصات هي من أهمّ مؤسسات الدولة لتثبيت الشفافية، ونحن أول من دعم إعادة تفعيلها من خلال المطالبة بتعيين رئيس لها عام 2012. ولقد أجرت وزارة الطاقة على مدى سنوات تسلّمناها جميع مناقصاتها من خلالها”. للإشارة إلى أنّ أزمة “التيار” ليست مع دور إدارة المناقصات. ليست المرة الأولى التي يخرج فيها جان العلية عن صمته. سبق له أن خاض جولات من السجال، ولو المحدود، وكلها على خلفية مناقصة البواخر، لدرجة تفجير خلاف بينه وبين رئيس هيئة التفتيش المركزي جورج عطية منذ تعيين الأخير في آذار 2017. يومها شاءت الظروف أن تحتلّ إدارة المناقصات الأولوية بسبب صدور قرار عن مجلس الوزراء ينقل ملف “استدراج عروض مولدات كهرباء عائمة” إلى هذه الإدارة، بدلاً من فضّ العروض في وزارة الطاقة. في تلك الفترة استعملت كل طرق التخويف والتهديد بإقالة العلية، إلى أن عرض أحد وزراء “التيار” في إحدى جلسات مجلس الوزراء، إقالته. اللافت، أنّ وزير الاعلام السابق ملحم رياشي لعب دوراً توفيقياً بين عطية والعلية وجمعهما أكثر من مرة لتنظيم الخلاف بينهما. كما عملت رئاسة مجلس الوزراء على استصدار رأي من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل يمنح رئيس التفتيش صلاحيات “الحرص على تقيّد مدير المناقصات بالقوانين وعدم مخالفتها، ومنها أصول التخاطب مع باقي الإدارات”، وإلا فإنه يحق لرئيس التفتيش “اللجوء إلى العقوبات التأديبية بحق مدير المناقصات”.

 

لكنّ كل تلك المحاولات لم تدفعه إلى تغيير سلوكه!

 

وها هو يحتل أكثر من ساعة من البث المباشر للمحطات التلفزيونية مستعرضاً بالملفات والوثائق تفاصيل الخلاف مع الوزير السابق سيزار أبي خليل، بحجة أنّ الأخير اتهمه بالتزوير… وطبعاً بلا إذن من رئيس التفتيش المركزي.