يكتسب الحراك القطري على الساحة الداخلية، وفي ضوء ارتقائه إلى مستوى متقدم من التمثيل الديبلوماسي، من خلال السفير الجديد الشيخ سعود بن عبد الرحمن آل ثاني، المقرّب من أمير قطر أكثر من مغزى، خصوصاً وأن السفراء العرب في بيروت، قد أقاموا استقبالاً خاصاً بوصوله. مع العلم أنه لم يقدّم أوراق اعتماده بسبب الشغور الرئاسي، وهو ما يدل على أهمية هذا الدور المنتظر والمرتقب الذي سيضطلع به.
ووفق الكاتب السياسي جان عزيز فإن “الهفوات التي وقعت فيها المبادرة الفرنسية، تسبّبت بالتباين في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة الخماسية الذين اجتمعوا في نيويورك، ممّا دفع باتجاه تأخير أو إبطاء الحراك الفرنسي لصالح الحراك القطري، والذي بات يتمتع بثلاث أفضليات على الحراك الفرنسي”. وقد حدّد لـ “الديار” هذه الأفضليات، بأن “القطري، قادر على مخاطبة الجميع خارجياً، بدلالة الوساطة القطرية بين الأميركيين والإيرانيين في عملية إطلاق الأميركيين، والشكر الإيراني العلني لقطر. الأفضلية الثانية أنه قادر على التواصل مع كافة الأطراف اللبنانية وهو يعرفها جيداً وقد اختبرها منذ اتفاق الدوحة في أيار 2008 على الأقل. فيما الأفضلية الثالثة أنه يتمتع بدعم الخماسية، على عكس ما بدا بالنسبة للفرنسي”.
وعن أسباب وضع حدٍ للمبادرة الفرنسية، يذكِّر بالبيان الصادر عن اجتماع الخماسية في 17 تموز الماضي، وبإجماع أطرافها، والذي أكد أن المطلوب انتخاب رئيس يجسِّد الأمة والنزاهة ويطبِّق الإصلاحات، والذي تقول ترجمته باتفاق اللبنانيين والذهاب إلى جلسة الإنتخاب، والفائز في جلسة الإنتخاب هذه يكون رئيساً، إلاّ أن الموفد الفرنسي الرئاسي جان إيف لودريان، تحدث في بيروت عن طاولة عمل، وهو ما أثار استغراب باقي أعضاء الخماسية، الذين أكدوا لأكثر من مسؤول لبناني أن الإتفاق كان على الإنتخاب وليس على الحوار، ما أدى إلى أول إشكال ديبلوماسي مع الدولة الفرنسية، وأتى الإشكال الثاني الأكبر، بعد اجتماع مسؤولين سعوديين مع لودريان في باريس، وبمشاركة مسؤولين فرنسيين، حيث حصل اتفاق على الخطوة التالية، فأتى لودريان إلى بيروت بمبادرة جديدة، فيما أعلن مسؤولون فرنسيون عن الإبقاء على المبادرة السابقة. وبالتالي، فإن تباين وجهات النظر انتقل من باريس إلى بيروت فنيويورك، حيث كان القرار الفرنسي مجدداً واضحاً بالعودة إلى الحوار، وهنا جرى التوافق داخل الخماسية على انكفاء الفرنسي، وتقدم القطري.
وحول التباين داخل الإليزيه إزاء مهمة لودريان، يكشف عن أنه يعود إلى “حساسيات شخصية مهنية موجودة في السياسة والإدارة، وبالتالي، هناك من يدرك أنه في حال تقدم الخيار الرئاسي الذي دعمته المبادرة، سيخسر وسيفشل وسيتحمّل مسؤولية الفشل على مستوى مركزه في الإدارة، بينما إذا تقدم خيار آخر، سينعكس عليه إيجاباً وتقدماً وترقية، أما البعض الآخر، فيتحدث عن تزامن الأزمة اللبنانية مع الإنهيارات الديبلوماسية الفرنسية في إفريقيا والمتوسط، وكانت هناك محاولات لرمي مسؤولية هذا الفشل على جهة من الجهات، فالمطلوب كِبش محرقة داخل الإدارة الفرنسية، فإذا فشلت فرنسا في لبنان بعد فشلها في إفريقيا، تتحمل المسؤولية جهة واحدة في الإدارة الفرنسية، وتنفد جهات أخرى، ويُضاف إلى كل هذه العوامل، وجود لوبي لبناني فاعل في العاصمة الفرنسية، وبالتالي، فإن كل هذه العوامل أدّت إلى هذا التشويش على مهمة لودريان”.
وعن نقطة انطلاق المبادرة القطرية، يجد أنها “النقطة العالقة بين واشنطن وطهران، لأن الباقي كله ملحقات تساعد وتسهِّل وتعطِّل وتعجِّل، إنما المحور الأساسي لحل الملف الرئاسي هو محور واشنطن ـ طهران، صادف أن هذين الفريقين مصرّان على دور للرياض في لبنان، وطهران من بعد اتفاق بكين حريصة جداً على عدم تعكير علاقاتها مع المملكة، وواشنطن ذاهبة مع المملكة إلى مشاريع ضخمة وإلى تغيير جيو ـ استراتيجية العالم، علماً أن السعودية كانت حذرة بعض الشيء جراء التجارب السابقة مع الملف اللبناني، وهي تدرك أن العلاقة بينها وبين إيران لن تصل إلى مستوى السلة الكبرى، أو رزمة الإتفاقات الشاملة على ملفات المنطقة، في حين تواجه إلحاحاً إيرانياً ـ أميركياً في هذا السياق، ولذلك، كان تكليف الجانب القطري بلعب هذا الدور والعمل على تشجيع السعودي والتخفيف من تحفّظات الإيراني وتفعيل الموقف الأميركي، فكانت المبادرة القطرية”.
وعن اقتراب موعد انتخاب الرئيس بنتيجة هذه المبادرة، قال: “نحن أمام مسار يتقدّم، والإتجاه واضح، وهو الوصول إلى حلّ رئاسي يضمن مصلحة لبنان بالتفاهم مع محيطه والإنتماء إلى الجو العربي، وإعادة لبنان إلى شرعيته الميثاقية والدستورية والعربية بما يسمح له من إعادة بناء الدولة ووقف الإنهيار في الحد الأدنى، وينفتح على العالم من جديد، ويعود على الأقل وطناً وليس عبئاً على أحد”.
وعن الشخصية التي قد تترجم هذه المقاربة، يرى عزيز أنه “قائد الجيش، وليس لأن اسمه جوزاف عون، إنما بسبب رمزية موقع قيادة الجيش ورمزية الدور وهذه المؤسسة بكل ما حقّقته في الماضي وحتى اليوم، تؤهّله لأداء الدور المطلوب. وهو باختصار، إعادة بناء الدولة، والحفاظ على قوة المقاومة. لأن أي وهم لدى أي طرف بإمكان الإستغناء عن أي مكوّن من الإثنين الآن، أو صدامهما، سيعني حتماً نهاية الإثنين معاً. فإذا كانت هناك من لديه هذه الرمزية أو الإمكانية العملية لهذا الدور، عليه أن يعلن عن نفسه وسيكون الجميع معه”.