لن يُقدّم أي زائر دولي أكثر مِمّا قدّمه جان إيڤ لودريان خلال زيارته للبنان. لم يحمل الوزير الفرنسي مالاً، ولا وعوداً جديدة، ولا مبادرات، بل كرّر ما قاله في باريس، وما يعرفه المسؤولون اللبنانيون حرفياً قبل هبوطه في مكاتبهم: “اذا كنتم تريدون الدعم إذهبوا في الإتّجاه الصحيح”. والاتّجاه الصحيح يعني الإنخراط في عملية إصلاح، طرح اللبنانيون عناوينها في انتفاضة تشرين، عندما طالبوا بحكومة مُستقلّة تُنفّذ برنامجاً إنقاذياً يقوم على المحاسبة وكشف الهدر والمُستفيدين منه، واتّخاذ التدابير الآيلة الى استرداد حقوق المواطنين بوقف التهريب الشرعي وغير الشرعي، ومنع التهرّب الضريبي، وسدّ مزاريب الكهرباء، الى ما يلزم من خطوات تحمي القطاعات الإنتاجية وحقوق العاملين في وظائفهم، والمودعين في مصارفهم.
العناوين هذه سيُكرّرها أي زائر معني وقادر على دعم لبنان. لو جاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سيُردّدها ولو أضاف اليها جملة عن “التدخّلات الأميركية” ، ولو اطلَّ وانغ يي زميله الصيني، سيُكرّر كلاماً مُشابهاً مع إضافات تتعلّق بالـ” الحزام والطريق”… وقبل هؤلاء جميعاً، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بالشروط نفسها مع إضافات، لا تُغَير شيئاً في الأساسيات، تتّصل بإيران و”حزب الله”.
نتحدّث عن موقف الدول القادرة والراغبة بدعم لبنان، وهي تنتظم جميعها في إطار الدول المانحة ومجموعة الدعم وفِي مؤتمر “سيدر” . ولا نتحدّث عن زوّار المواقف والتصريحات والخطوط الهمايونية. فجواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، سيحمل كلّ الود الظريف لـ”الشعب اللبناني الشقيق”، لأنّ دعمه سيذهب الى مكان آخر، ووليد المعلّم، وزير خارجية الأسد سيأتي، لو جاء، لتأكيد أُخوّة تمنع ترسيم الحدود، وسيُرندِح أغنية مُستهلكة عن مواجهة مشتركة مع العدو وعصاباته الصهيونية.
بات التشخيص الداخلي والخارجي للمصيبة التي تأكل الجسد اللبناني مُتقارباً، ولبنان الذي يحتاج دعماً وإنقاذاً، يعرف المصادر الداعمة وشروط استجابتها، ولن يكفي سياسييه الجلوس على قمّة الأزمة التي ابتدعوها والصراخ مع “الرفيق بنشوني”: أرسلوا بعض المال!