بري ليس في وارد الدعوة مجدداً إلى الحوار ما لم يرصد إشارات تضمن نجاحه
هل يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود رئاسيا مع مجيء الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، الى لبنان، أم ان هذه المهمّة التي أتت عقب نتائج الاتصالات الفرنسية – السعودية، التي توّجها لقاء الإليزيه بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والتي لا تزال مكتومة، ستكون شبيهة بالتحركات الفرنسية السابقة التي لم تحرز أي تقدّم على هذا المستوى؟
صحيح أنّ هذا الحراك سيعطي دفعاً للملف الرئاسي، لكن الحلول على ما يبدو انها ما تزال غير واضحة المعالم، ولا سيما ان أي من الدول التي تتواصل معهم باريس وخصوصا المملكة العربية السعودية وإيران لا ترغب الى الآن بالتدخّل المباشر، وتكتفي بإبداء التعاون فقط.
وإذا كان لبنان ينتظر بفارغ الصبر معرفة ما يحمله لودريان الذي تأتي زيارته إليه بعد قمة الإليزيه بين ماكرون وبن سلمان، فان هناك من يرى ان ما هو أهم من هذه القمة هو الاجتماع الذي عقد في طهران بين وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والسعودي الأمير فيصل بن فرحان، الذي زار بعد ذلك باريس أيضا والتقى الثنائي الفرنسي المعني بالملف اللبناني برنار ايمييه وباتريك دوريل.
والى أن تطأ قدم الموفد الرئاسي الفرنسي أرض المطار فان الملف الرئاسي على حاله من المراوحة، وان رئيس المجلس النيابي نبيه بري ليس في وارد الدعوة الى جلسة جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية، بانتظار معرفة ما ستؤول إليه الأمور بعد زيارة لودريان، كما انه ليس في وارد إطلاق مبادرة جديدة لعقد طاولة حوار التي رفضت في السابق مرتين، ما لم يشعر ان هناك نتائج مضمونة من هذه الدعوة.
وفي هذا السياق، استبعدت مصادر مطّلعة أن تحدث زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي ثقباً كبيراً في جدار الأزمة الرئاسية، كون ان كل المعلومات تتقاطع على ثابتة واحدة وهي ان مبعوث ماكرون لا يحمل مبادرة كاملة متكاملة حول الاستحقاق الرئاسي، وان هذه المهمة محض استطلاعية يحاول خلالها لودريان تحديد مكامن الخلاف بين القوى السياسية التي تحول دون انتخاب رئيس منذ ثمانية أشهر، وهو سيحمل أيضا رسالة واضحة بضرورة أن يدخل لبنان مدار التفاهمات والاستقرار الذي بدأت تعيشه المنطقة، وان التقاعس في هذا الأمر ستكون نتائجه غير مريحة على مستوى كل لبنان وليس على فريق بذاته.
وفي تقدير المصادر، ان لقاءات لودريان مع القيادات اللبنانية ستعطي بالتأكيد إشارات واضحة بالنسبة للمسار الذي سيسلكه الاستحقاق الرئاسي في المرحلة المقبلة، كما ان ما سيتحدث فيه لودريان سيظهر ما إذا كانت فرنسا ما تزال متمسّكة بدعم ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية من ضمن سلة متكاملة ومن ضمنها الحكومة المقبلة، أم انّها ستبدي استعداداً لفتح الباب على البحث في خيار ثالث يتعدّى معادلة فرنجية – أزعور، مستندا في ذلك إلى ما نجم عن جلسة انتخاب الرئيس الأخيرة من توازن سلبي بين الفريقين الداعمين لهذا المرشح وذاك، علما ان رئيس مجلس النواب نبيه بري ومعه «حزب الله» ليسا في وارد التخلّي عن دعم ترشيح فرنجية.
وفي رأي المصادر أن الزائر الفرنسي ربما يطرح على القيادات التي سيلتقيها في اليومين المقبلين، فكرة الجلوس على طاولة حوارية للتفاهم على آلية معينة تخرج الاستحقاق الرئاسي من المأزق، ولا سيما ان ما أفضت إليه الجلسة الثانية عشرة للانتخاب برهنت بشكل واضح بأن لا يمكن لأي فريق سياسي فرض خياراته على الفريق الآخر، وبالتالي فان الارتطام مجددا بالحائط المسدود داخليا، يعني انه لم يعد هناك من مجال إلا حياكة تسوية خارجية تكون بمثابة أمر واقع على كل القوى السياسية القبول بها لإنهاء الشغور الرئاسي، وإلّا سيصبح لبنان أمام أزمة معقّدة ومفتوحة على كل الاحتمالات، كون ان الدول الممسكة بالملف اللبناني لن تنتظر طويلا.
انسداد الأفق الداخلي أمام انتخاب رئيس ربما يؤدّي إلى حياكة تسوية خارجية تكون ملزمة ولا تشكّل تحدّياً لأي فريق
وخلصت المصادر الى الإشارة الى إن الأبواب الداخلية موصدة أمام انتخاب الرئيس، وان الرهان اليوم هو فقط على الخارج، طالما ان الخيارات الرئاسية في الداخل باتت معلومة وان كل فريق يتصلّب في موقفه وهو غير مستعد التراجع قيد أنملة، وهذا يرجّح إمكانية أن يسقط الخارج اسم رئيس من دون العودة الى الكتل النيابية، شرط ألا يشكّل تحدّياً لأي فريق، وفي حال لم يحصل ذلك فان لبنان سيبقى بلا رئيس، إلى أمد طويل.