لا تزال العين على زيارة المبعوث الشخصي للرئيس الفرنسي جان إيف لودريان المرتقبة في أيلول المقبل الى لبنان، والعين الأخرى تزامناً، على عملية بدء الحفر في البئر الاستكشافية الأولى في حقل “قانا” في البلوك 9 في المياه الاقتصادية اللبنانية الخالصة. ويبدو أنّ الشكوك التي كان يملكها البعض حول إمكان تأجيل هذه العودة قد تحقّقت مع المعلومات عن أنّ زيارة لودريان المرتقبة لن تحصل أوائل ايلول المقبل، كما كان متوقّعاً، إنّما في النصف الثاني منه… فبعض الردود المتسرّعة على رسالة لودريان من قبل نوّاب المعارضة (وعددهم 31 نائباً) أكّدت في عريضة نيابية “عدم جدوى أي صيغة تحاور مع حزب الله وحلفائه”، وشدّدت على أنّ “شكل التفاوض الوحيد المقبول، وضمن مهلة زمنية محدّدة، هو الذي يُجريه رئيس الجمهورية المقبل، بُعيد انتخابه”، جعلت الموفد الرئاسي يُعطي القوى والكتل والأحزاب السياسية المزيد من الوقت، قبل أن يستكمل مهمته الرئاسية، علّه يتمكّن من تحقيق النجاح الذي يتوخاه منها.
وترى مصادر سياسية مطّلعة أنّ لودريان لم يسأل في الرسالة التي وجّهها الى النوّاب عبر السفارة الفرنسية عن موقف الأحزاب والكتل النيابية من الحوار، وخصوصاً أنّه تحدّث معهم عن هذا الأمر في تمّوز الماضي خلال المحادثات التي أجراها مع كلّ من الأطراف على حدة.. واليوم، بعد “لقاء الدوحة” الذي ضمّ ممثّلي الدول الخمس (أي أميركا، فرنسا، السعودية، مصر وقطر)، وربما بعد اجتماعهم مجدّداً على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول المقبل في نيويورك، يعرض لودريان على القوى والمسؤولين مجدّداً الجلوس الى “طاولة عمل” (وليس الى “طاولة حوار”، كونه يعرف حساسية هذه العبارة بالنسبة للبعض) من أجل مناقشة كلّ الآراء المتناقضة. كما أنّه لم يُحدّد حتى الآن آلية الطاولة وشكلها، فهل ستكون واحدة تضمّ ممثّلي الكتل، أم طاولات عمل عديدة تضمّ محادثات ثنائية أو ثلاثية أو أكثر.
وتجد المصادر أنّ لودريان الذي أرسل الرسالة الى النوّاب للإجابة بشكل موجز، عن سؤالين حول مواصفات ومهام رئيس الجمهورية المقبل قبل نهاية آب الجاري، لا يمكنه عدم المجيء ثانية، على ما لا يزال يُشكّك البعض. فمضمون السؤالين سبق وأن عرضه على الجميع، وسمع موقف كلّ فريق سياسي منه، وهو ينتظر اليوم تلقّي الردود على السؤالين، حتى مع اعتراض البعض على شكل الرسالة غير المسبوق والمعهود في التعاطي مع المسؤولين اللبنانيين، للحصول على موقف خطّي، لا يجري تغييره مستقبلاً… وهو بالتأكيد، سيعود في أيلول المقبل فور حصوله على كامل الإجابات، كونه لا يملك ترف الوقت خصوصاً بعد تعيينه من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيساً لوكالة التنمية الفرنسية في العلا في السعودية.
وبرأي المصادر، إنّ أيا من الكتل النيابية، بما فيها كتل نوّاب المعارضة، لا تستطيع عدم تلبية دعوة لودريان الى طاولة العمل في أيلول، كونه في الإطار العام يُمثّل اللجنة الخماسية، وليس فرنسا بمفردها، رغم أنّ “بيان الدوحة” لإيجاد الحلّ للملف الرئاسي لم يتحدّث عن مهام ومواصفات رئيس الجمهورية المقبل للبنان. والدول الخمس متيقّنة أنّه لا يمكنها فرض أي حلّ أو أي تسوية رئاسية في لبنان، من دون تجاوب الأفرقاء في الداخل معها، ووضع الطروحات على الطاولة…
لهذا، فإذا نجح لودريان في مهمّته يتمّ الإعلان عن اسم أو اسمين يتنافسان على رئاسة الجمهورية في مجلس النواب، بحسب المصادر، أمّا إذا ما فشلت فسيغسل يديه من هذا الملف وينطلق لأداء مهمّته الجديدة. وعندئذ قد تُعيّن فرنسا موفداً آخر الى لبنان، أو قد تُحيل الملف الرئاسي الى اللجنة الخماسية لتحلّه بمعرفتها، عن طريق سفرائها في لبنان أو تقوم بتعيين متحدّث باسمها. علماً بأنّ هذا الوضع يعني المزيد من إضاعة الوقت، ومن تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية لأشهر عديدة بعد. مع التذكير بأنّ لودريان بشّر في وقت سابق بأنّ “لبنان الى زوال”، في حال استمر السياسيون بعدم تحمّل المسؤولية، وهو نفسه صاحب عبارة “ساعدوا أنفسكم لكي نساعدكم”.
وفي هذه الأثناء، تستمر المفاوضات بين التيّار الوطني الحرّ وحزب الله، وفق المصادر نفسها، على مقايضة انتخاب نوّاب “الوطني الحرّ” مرشّح “الثنائي الشيعي” رئيس “تيار المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، مقابل الحصول على اللامركزية الإدارية الموسّعة والصندوق الائتماني والتوافق على مواصفات الرئيس. وبحسب المعلومات، فإنّ الحزب يتجه الى الموافقة على العنوان الأول والى إقناع “حركة أمل” به، فضلاً عن دراسة العنوان الثاني بتمعّن نظراً لتشعّبه، غير أنّ الأمر يحتاج الى المزيد من الوقت. وهذا التفاهم قد لا يحصل قبل عودة لودريان المؤجّلة، إلّا أنّ الأجواء بين الحزبين ستكون إيجابية، وتهدف الى إعادة ترميم العلاقة على أسس أكثر متانة.
وفي المقابل، أشارت المصادر أنّ حلّ الملف الرئاسي في لبنان برمّته ينتظر أن تتوضّح معالم إصلاح العلاقة الإيرانية- السعودية، التي “تمضي على المسار الصحيح وتشهد تقدّماً”، على ما صرّح وزير الخارجية الإيراني عبد الأمير اللهيان خلال زيارته الأخيرة الى الرياض، وإعلانه عن تلقّي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي دعوة من الملك سلمان لزيارة السعودية وموافقة رئيسي على القيام بها في الوقت المناسب. فبعد اتفاق طهران والسعودية على إنهاء خلافاتهما وإعادة العلاقات الى طبيعتها بعد سنوات من الخصومة عرّضت استقرار منطقة الخليج واليمن وسوريا ولبنان للخطر، على ما أوضحت المصادر، فإنّه من شأن تصحيح هذه العلاقة أن ينعكس إيجاباً على لبنان في المرحلة المقبلة. وهذا يعني أنّ زيارتي اللهيان وتلك المتوقعة للرئيس الايراني الى السعودية في المرحلة المقبلة، من شأنهما إراحة الوضع في لبنان وحلحلة الملف الرئاسي الذي يبدو معقّداً حتى الآن.