قد يكون وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان شمل “مجمل الطبقة السياسية اللبنانية” وحمّلها مسؤولية الأزمة التي يغرق فيها لبنان اجتماعياً، اقتصادياً، إنسانياً وسياسياً، بسبب تعطيل الحكومة، لكن الديبلوماسية الفرنسية تعرف من وكيف وبأي وسائل يتم هذا التعطيل.
تتجنب باريس تسمية الجهة أو الجهات التي تعرقل علناً، للإبقاء على بصيص أمل، لعلها تنجح في دفع المعرقلين إلى تعديل مواقفهم في الربع الساعة الأخير قبل الموجة الجديدة من الضغوط، التي طالب الوزير الفرنسي أقرانه الأوروبيين ببحثها، والتي يرجّح أن تشمل بعد مدة عقوبات على شخصيات معروفة لديها كاحتمال منع سفر أو تجميد حسابات… فلودريان نفسه عاد فأشار في البيان – الإنذار أول من أمس إلى “الانسداد المتعمد، تحديداً من قبل بعض اللاعبين في النظام السياسي”، بما يوحي بأن هذا “البعض” محدد ومعروف لديه، على رغم التعميم الذي جاء في مطلع بيانه.
الأهم قول الوزير الفرنسي أن هذا “البعض” يتقصد طرح “مطالب متهورة من زمن غابر يجب أن يتوقف فوراً”.
سبق للمصادر الرسمية في باريس أن سربت مراراً في الأسابيع الماضية، بأن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل وراء تعطيل ولادة الحكومة. الأصول الديبلوماسية، طالما دولة كبرى مثل فرنسا وصديقة للبنان، أطلق رئيسها مبادرة لإنقاذه من أزمته، تقتضي ألا تنسب العرقلة إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وأن تلقي بالمسؤولية على ظله و”تلميذي الفولاذي” كما يصفه، النائب باسيل. فالمسؤولون فيها سيظلون على اتصال مع عون وسائر الرؤساء، لبحث الحلول، مدركين سلفاً من خذلهم، لمعرفتهم التفاصيل.
ترك الجانب الفرنسي الباب للاجتهاد، عن المقصود بـ”الزمن الغابر” لمطالب يطرحها الفريق المعرقل، لكن بإمكان المتابع لشروط الفريق الرئاسي حول تأليف الحكومة، أن يستنتج عما يلمح إليه رئيس الديبلوماسية الفرنسية. إثارة هذا الفريق مسألة صلاحيات رئاسة الجمهورية في تأليف الحكومة على طريقة ما قبل اتفاق الطائف حين كان الدستور يسمح لرئيس الجمهورية أن “يعين الوزراء ويختار من بينهم رئيساً”، تعود إلى ما قبل العام 1989. والتحجّج بحقوق المسيحيين يعود إلى المرحلة التي كان عنوان الأزمة وحربي التحرير والإلغاء خلالها، طموح الجنرال عون للرئاسة في العام 1988. وطلب الثلث المعطل يعود إلى زمن الوصاية السورية ما قبل العام 2005، ثم إلى اتفاق الدوحة في العام 2008 بعد موقعة 7 أيار. وبين هذه وتلك يتوهون في تبرير الديون اللبنانية فينسبونها إلى الرئيس الراحل رفيق الحريري…
يفترض المرء أن ما استفز لودريان هو أن يُغرِق الفريق الرئاسي ممثلي الدول الكبرى في الحديث عن مكاسب وزارية باسم الحقوق الطائفية.
ليست الديبلوماسية الفرنسية وحدها التي تتذمر من أن الفريق الرئاسي يستغرق في “الزمن الغابر”. بعض سفراء وديبلوماسيي البعثات الغربية والشرقية حتى، يستغرب أخذهم من قبل الفريق الرئاسي إلى أحداث في التاريخ، قد يهمهم سماع وجهات النظر اللبنانية المختلفة في شأنها في ظروف مختلفة، فيما هم قلقون على حاضر البلد ومستقبله القريب والمتوسط، ويدركون ما يحل باللبنانيين في السوبرماركت والعتمة التي تنتظرهم وشح المحروقات وانعدام القيمة الشرائية لليرة، وقلقون على ما هو آتٍ من مآسٍ. ويمكن للمرء أن يتصور بأن معظم هؤلاء، ولودريان منهم، لا يركن إلى الرواية الأحادية التي يسمعونها. بعضهم يبتسم حين يذكر أمامك أن هذا الفريق حدّثه عن الفساد.