IMLebanon

جان عبيد «حكيم حُكماء لبنان والعرب»

 

 

كانت «تلبق له الحياة» وبه تليق. فالتقدّم في العمر كان يزيد جان عبيد حكمةً وتواضعاً ووطنيةً وإنسانية. كان شاباً في ذهنه المتوقّد وذكائه الوقّاد، خصوصاً في نفسيّته الشابة، ومعنوياته العالية، وطموحه المشروع، وكلمته المسموعة لدى الذين يطلبون الرأي السديد والمشورة الناجعة.

 

جان عبيد، والاسم أهم من اللقب، هو الذي صنع اللقب. وكلمة عصامي أكثر ما تنطبق عليه. فهو ابن البيئة الطيبة في علما، البلدة اللبنانية الهادئة، ومن ثم من معهد الآباء الكرمليين في طرابلس (مدرستنا الحبيبة) إلى رحاب الوطن، بدءاً بصاحبة الجلالة الصحافة التي تحوّل فيها إلى نجمٍ سياسيٍ بارع قدر ما تولّى من المهام الوطنية والقومية الدقيقة، وبالذات دور «فاعل الخير» (دور الوسيط) في الداخل والإقليم الذي تحمّله بفهمٍ وإدراكٍ ووعيٍ ومسؤولية.

 

في النيابة فالوزارة فالإثنتَين معاً، كان جان عبيد مثالاً للسياسي الذي لا يكتفي بأن لا أخصام له، إنما كان يحرص على كسر الحواجز، وتقريب المسافات بين الخصوم. ولا تزال كلمة المرحوم الأمير سعود الفيصل، وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأسبق ترنّ في الآذان: «الأخ جان حكيم حكماء العرب». وكان الأمير يُسهب في شرح هذا التوصيف الذي أطلقه على ندّه وزير خارجية لبنان آنذاك للدور الريادي الذي كان يقوم به بين الأشقّاء، حتى إذا استعصت مسألة على الحلّ، أوكلوا إليه إيجاده، فيجده. وإذا تعذّرت صياغة البيان الختامي، بادر جان عبيد إلى فكفكة العقد، فيصدر البيان…

 

كان مُتعمّقاً فقيهاً في فهم المسيحية والإسلام، خصوصاً ما يجمع بينهما ويلتقيان عليه، وهو الكثير. ولطالما اقتبس من الآيات المقدّسة في الإنجيل والآيات البيّنات في القرآن ما ينزل في موقعه من كلامه حفراً وتنزيلاً. وفي سياقٍ موازٍ، كان حافظاً أميناً للشعر العربي وللتراث الأدبي والفكري عموماً، وأيضاً للشعر الفرنسي (الكلاسيكي) حتى إذا استحضر بيتاً ليدعم به كلامه أو ليُطابق طرفةً، كان ينزل أيضاً حفراً وتنزيلاً.

 

بيننا، جان وأنا، عميق صداقة. وهو كان يحترم كثيراً المرحوم والدي الشيخ يوسف خليل الخوري الذي بدأ حياته العملية في علما، وكان جان يُناديه يا أستاذي ويا معلّمي، واستمرّت هذه العلاقة التي كان يُترجمها بزيارة بيتنا الأبوي باستمرار وباتصالاتنا الهاتفية المتواصلة…

 

كم كنت أطمح لأن يُنتخب جان عبيد رئيساً للجمهورية لشدّة وعيه فلسفة الكيان اللبناني ورسالة هذا الوطن في محيطه والعالم. ومن أسفٍ، أن يتغلّب عليه فيروس كوفيد-19 ليخسر لبنان برحيله رجلاً فريداً في مزاياه وشمولية ثقافته وإيمانه بالسلام والتزامه بحقوق لبنان والأمّة.

 

رحمك الله أيها الصديق العزيز رحماتٍ واسعة وألهم السيدة الفاضلة عقيلتك وأسرتكما الكريمة وآل عبيد الأكارم وأحباءك الكثر في لبنان والخارج الصبر والسلوان.