IMLebanon

جان عبيد: لا تستعجلوني؟

 

منذ انطلاقة عهد «صديقه» ميشال عون راقب جان عبيد مسار العهد بإنجازاته وثغراته. وإذا كان لا بدّ من الكلام يتوجّه الى المعنيين به مباشرة، تجنّباً للتشويش والاستعراض الإعلامي.

صديق «الجنرال» وكاتم أسراره، لا يتوانى عن مواجهته بحقائق يستحيل لغيره ممّن يجالسه أن يصارحَه بها، إما خوفاً وإما تزلّفاً. وصل الأمر الى حدّ مصارحته: إذا كان جبران باسيل «سيفك»، إحرص على أن يعرف الأخير «أين يضعه» وكيف يستخدمه!».

لم يغيّر عبيد عادته بعد أن جلس «العسكري» على كرسيّ الرئاسة الأولى. لا يتوانى عن قول اللازم، ليس فقط بسبب صراحته، بل لأنه لا يستطيع أن يتحايل على التاريخ أو يتعامى عن الحاضر. شفافيةٌ في الأداء تجعل من المرشح الدائم الى رئاسة الجمهورية صديقاً مشتركاً لـ «حليفين» فرّقهما الطريق الى قصر بعبدا: عون وسليمان فرنجية. كلاهما يتعاطى مع الرجل كحالة تستحق الاحترام والنَهل من مخزونها. فقط جان عبيد قادر على فعل ذلك.

مسارٌ، أسّس له بدوي عبيد والد الوزير والنائب السابق، يزخر بالأدوار وبمواقف غيّرت مسارات. لم يحجب ذلك قدرته على بناء الجسور مع الجميع وإن كان من عُشَاق العمل في الظلّ. خوضُه الانتخابات النيابية اليوم لم يغيّر عادتَه كثيراً. يفعل ما يجب فعله بعيداً من الهوبرة والكلام الاستهلاكي والمصطنع.
حين يُحكى عن مخزون صداقاته يستحيل غضّ النظر عن صديقه الأول الرئيس نبيه بري. الأخير لا يرى «عزاءً» في مغادرة قاماتٍ تشريعية مجلس النواب إلّا مع دخول جان عبيد اليه.

«خلطة» تشريع وذاكرة تاريخ وبيت سياسي وخبرة في مَعجَن الزعامات والأقدار اجتمعت في رجل واحد! مع ذلك، أكثر مَن يُدخِل الابتسامة الى قلب بري هو إبن بلدة علما الزغرتاوية. بعد إقفال سماعة الهاتف معه، سيسهل معرفة أنّ محدّث «دولة الرئيس» على الخط الآخر هو صديق كل العهود. يروي أحد المقرّبين من بري: لا أحدَ يضحكه كما يفعل جان عبيد!

الرجل القابع طويلاً في منطقة الانتظار، فاته قطارُ الرئاسة مجدداً. مرّةً بعد رفضه الخيار العسكري لإزاحة ميشال عون، ثمّ خلافه مع غازي كنعان على أبواب نهاية ولاية الرئيس الياس الهراوي، ثمّ إثر التمديد للرئيس إميل لحود بعدما وُعد بالرئاسة بتوافق سوري- فرنسي.

في حالة ميشال عون هو مَن رَفض عن «حِكمة وبفعل الصداقة»، كما يقول عارفوه، رميَ ترشيحه في التداول وإن اشتغل يومها «المُصلِحون» على الترشيح الوسطي بين «الجنرال» وسليمان فرنجية.

لن يتعبَ جان عبيد من الترداد «ما يهمني رتبة الرئيس وليس رتبة المرشح. رتبة الرئيس هي نتيجة ميزان قوى والجِهاد… والإذن الإلهي».

في «الجهاد» الصامت والحَسن في الرئاسة تحضره آية قرآنية، هو العاشق الأزلي لأقوال الإمام علي وللأحاديث النبوية الشريفة ونهج البلاغة والقرآن والاناجيل الأربعة والتوراة: خلق الانسان من عجل، سأريكم آياتي فلا تستعجلوني!

تحوّل مسارُ «الجهاد» باتّجاه النيابة، مرةً أخرى، طالما الظروف إقتضت ذلك. لا يستطيع عبيد أن يصنّفَ نفسَه إلّا خارج الفئة المُستهلكة والطارِئة من نواب الأمة « تاريخي ورائي. أنا تعبان بتاريخي لأنه مريح لبلدي»، يردّد الوزير السابق في مجالسه الخاصة.

يَحسب كلّ خطوة وكلّ نَفَس وكلّ كلمة. حَدَث ذلك في مسألة الرئاسة، ويحدث الآن في معركته الانتخابية غير السهلة. عنوانه معروف، كما تاريخه، لذلك لم يتوقع إلّا أن يتلقّى الاقتراحات لا أن يبادر.

بيَقين العارف أنّ القانون الجديد للانتخابات هو «تزوير» للنسبية و»تشريع للغدر» بين الحلفاء وتكريس لمنطق التعصّب الطائفي، يخوض جان عبيد معركة المقعد الماروني في طرابلس، على لائحة الرئيس نجيب ميقاتي، للمرة الخامسة منذ انتخابه نائباً عام 1992 ثم 1996 و2000 عن المقعد نفسه.

قبل ذلك لم يجارِ بكركي وصولاً الى الرئيس بري، ولو ببيان، في ضرورة بقاء المقعد الماروني في عاصمة السنّة، فقط كي لا يُعايَرَ بالمصلحة الشخصية.
«صاحب المقعد» المفترض آثر الصمت ربما لقناعة بسعي الآخرين «لاستدعاء» صاحب الدور والشخصية والتاريخ الى ملعب طرابلس. مَن يقدّم قيمةً مضافة للمقعد وليس العكس.

وحده جبران باسيل غرّد خارج السِرب. إعترف بخسارة معركة نقل المقعد الماروني من طرابلس الى البترون وحَمَلَ على «استيراد» المرشحين اليها. لم يرَ عبيد نفسَه معنيّاً بالردّ. الرجل ليس من هواة السجالات السياسية خصوصاً أنّ مَن «استقتل» لنقل المقعد يستقتل الآن للحصول عليه، وللمفارقة غالبية المرشحين من خارج طرابلس. أما مَن يقول عن عبيد «غريب» عن عاصمة الشمال، فما عليه سوى سؤال أهل القبة، وجوارها!

أكثر من ذلك، لا يعترف عبيد أصلاً بأزمة المقاعد المسيحية في «الشتات الإسلامي». الرجل من أصحاب الدعوة للعودة الى أصل المشكلة: المسيحيون وصلوا الى ما هم عليه إما لحماقة بعض قياداتهم، وإما للجهل بردّات فعل بعض قيادات الطوائف الأخرى التي أتت صدامية وليس إحتوائية.

سيأخذه التأثر بقول أحد المطارنة في غمرة الحديث عن «اقتلاع» مقعد الموارنة من طرابلس «تريدون المقعد. خذونا معه إذا كان الإحباط يسكنكم الى هذه الدرجة». عبيد متطرّف لواقع توسيع إنتشار المسيحيين في أماكن تواجدهم وليس «اقتلاعهم» منها!

وبالمناسبة، في قناعات الرجل السيادة ليست حصة مسيحية. هي أزمة تُعالج جَماعياً ولا يحتكرها بطل واحد. لكل «نصيبه» في السيادة.

في التحالفات واءَم بين المصلحة الانتخابية والثوابت. الأول بين الخاسرين في انتخابات 2009 برصيد بلغ نحو 33 الف صوت بوجه تحالف حيتان السلطة والمال لم يقف يوماً على باب رفيق الحريري، ولم يفعلها مع سعد الحريري. مع نجيب ميقاتي بني التحالف على أسس ندّية. أما خيارات أشرف ريفي ضد «حزب الله» وفرنجية وعون والحريري وإيران فلا تشبهه لا في مساره ولا مضمونه. ينقل زواره عنه «أنا أعقل من أن أعطي إشارات خاطئة عن مضموني».

مَن يتجنّب المواجهات الهدّامة لا ينتظر منه سوى معركة بخطاب خالٍ من «دسم» الشعارات الصدامية والتجييش الانتخابي والطائفي، وهذا ما يحصل فعلاً.
الوزير الأسبق لا يقود حزباً، سوى «حزب المسَابح وربطات العنق» هدايا جان عبيد للسياسيين من مختلف الإنتماءات. ليس صاحب كتلة نيابية، ولا يتحلّق حوله أصحاب رؤوس الأموال، ولا يزخّم علاقاته مع مالكي وسائل الاعلام ليكون نجماً على شاشاتها.

مع ذلك هو حاضر بقوة. المستقل والوفي يرفض أن يكون وسطياً. خطوطه مفتوحة مع الجميع من مالكي المفاتيح الى المفرّطين بها. ستكون فرصة أخرى أمام مَن لا يعرف معنى الإستسلام في السياسة. «سأريكم نتيجة جهادي. لا تستعجلوني»!