في الأَمثال:
مثلٌ يقول:
إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، في حالات شخصيات معيَّنة يتطور المثل ليكون:
إذا كان السكوت من ذهب فالكلام من ألماس.
نادرون هُم الذين يكون سكوتهم من ذهب وكلامهم من الماس.
من هؤلاء النائب والوزير السابق، والسياسي والوطني الدائم، جان عبيد.
على مدى نصف قرن من العمل الصحافي، حين كانت الكلمة المناسبة في الخانة المناسبة، إلى العمل السياسي والإستشاري، حين كانت السياسة صدقاً وإخلاصاً ووفاءً، والإستشارة كانت نابعة من العقل ومن القلب في آنٍ معاً، كان جان عبيد خير سياسي وخير مستشار. وحين طرق السياسة من بابها الرسمي، كان خير ممثِّل للناس في قضاياهم الوطنية وليس في تغطية مخالفاتهم.
جان عبيد، سواء أكان نائباً أم وزيراً أم صحافياً أم سياسياً من دون موقع أو منصب، فهو دائماً جان عبيد، صاحب العقل الوازن والوعي الموزون والإعتدال الضروري. حين كان نائباً عن المقعد الماروني في طرابلس، عمَّم ثقافة الإعتدال ليس في المدينة فحسب بل في كلِّ الشمال، فكان كلُّ شماليٍّ يقصده سواء أكان من الطائفة المسيحية أم من الطائفة الإسلامية، وكان يلبي له طلبه من دون أن يسأله عن مذهبه أو طائفته، فيخرج المواطن من عنده حافظاً أنَّه كان في حضرة مسؤول وطني لا شخصية مذهبية.
في وزارة الخارجية أرسى جان عبيد دبلوماسية الإنفتاح فكانت مصلحة الوطن فوق كلِّ اعتبار من دون أن يغفل للحظة، العمق العربي والبعد القومي لهذا البلد الذي هو من مؤسسي الجامعة العربية ومن واضعي شرعة حقوق الإنسان.
جان عبيد لا يهدأ ولا يستكين، هو لا يجيد سياسة الظهور والمظاهِر والتظاهُر، تعلَّم السياسة، كما الصحافة، على يدِ كبار، فغرَف من معينهم وكان قلمه مُشذَّباً كما كان لسانه مهذَّباً، لا يساجِل بل يناقش، ولا يُقاطِع بل يتواصل، ولا يقطع مع أحد بل يحاول بكلِّ الوسائل في أن يُبقي خطوطه ممدودة مع الجميع ومن دون إستثناء.
ليس سرًّا أنَّ جان عبيد من أبرز المرشَّحين لرئاسة الجمهورية، وفق الدستور اللبناني الترشح لرئاسة الجمهورية لا يتطلَّب إعلاناً، بهذا المعنى فإنه يسير وفق الدستور ولا يخالف بنوده، يعرف أنَّ مسألة إنتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان هي مسألة ظروف وتوازنات وموازين قوى وتداخل مصالح خارجية سواء أكانت عربية أم إقليمية أم دولية، يعرف كلَّ هذه التعقيدات ولا تُفاجئه، لذا فهو يتعاطى مع قضية رئاسة الجمهورية بعقلٍ واعٍ وأعصاب باردة، يعرف جيِّداً وصول رؤساء الجمهورية كيف تمّ، فهو كان في قلب اللعبة السياسية، وما كان يحدث في الماضي يحدث شيءٌ منه اليوم.
لكن في مطلق الأحوال فإنَّ جان عبيد يبقى قيمة وطنية، يربح البلد كثيراً إذا عرِف كيف يفيد من قدراته ومن طاقته ومن قدرته على تحقيق التوازنات، لكن العبرة تبقى في الظروف.