Site icon IMLebanon

الفرنسيون “تعبوا” منكم

 

ترى ألم يقرأ رئيس الحكومة حسان دياب ما قاله وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان أول من أمس في مجلس الشيوخ، حتى يردد في جلسة مجلس الوزراء أمس بأن “الحكومة التزمت بيانها الوزاري ولدينا جدول بالملفات التي انتهت…”، ويذكرنا بإنجاز 97 في المئة مما التزمت تحقيقه في المئة يوم الأولى؟

 

وإذا كان كلامه بالأمس، الذي قال فيه إنه جاهز لشرح الإنجازات بالتفصيل، رداً على كلام لودريان الذي قال بالحرف: “وُعدنا بإصلاحات في المئة يوم الأولى… ولم يحصل شيء أي شيء”، هل يعتقد رئيس الحكومة أن بإمكانه أن يبلف وزير خارجية فرنسا التي تتابع عبر سفيرها في بيروت برونو فوشيه أدق التفاصيل، وقررت تقديم الظن بحسن النية “ببعض وزراء” الحكومة الحالية، بتوصية منه؟

 

إذا كان دياب منفصلاً عن الواقع إلى درجة أنه يخاطب نفسه، فهل يعتقد بعض الوزراء الذين يفترض أنهم يتحلون بقدر من الواقعية، أن سائر المسؤولين الفرنسيين لا يعرفون دقائق الأمور في لبنان حتى تردد وزيرة الإعلام بالأمس التبرير الممجوج بأن هناك “عراقيل” أمام خطوات الحكومة؟ ألا يدرك هؤلاء أن المسؤولين الفرنسيين (على المستويات كافة)، الذين يولون أهمية خاصة لأزمتنا في السياق الإقليمي المعقد، على اتصال شبه يومي ببيروت ويسألون ويستمعون ويقيّمون ويهزون برؤوسهم؟ هل يتوهم القيمون على الأمور عندنا أن من هم في باريس، لا يعرفون كيف جرى تعيين أعضاء مجلس إدارة كهرباء لبنان في إطار من المحاصصة، يعاكس إصرار الدول المانحة في مؤتمر “سيدر” على الشفافية والاستقلالية والكفاءة والنزاهة، بدل الولاء للأحزاب والزعامات، كي يتمكنوا من إدارة قطاع اعتبرته باريس منذ العام 2018 مقياساً ومعياراً لأي نية إصلاح هيكلي شامل وبداية تؤشر إلى ما سيتبعه؟

 

هم يراقبون بدقة كيف تسعى الحكومة إلى نزع صلاحيات الهيئة الناظمة للقطاع بتعديل القانون لجعلها استشارية غير فعالة.

 

لقد “تعب” الفرنسيون من تكرار الحديث عن أولوية الإصلاح، وزادوا عليها مثل سائر الدول المانحة وجوب التوافق مع صندوق النقد الدولي على البرنامج الإصلاحي، الذي يتيح له ومن بعده لهذه الدول، أن تقدم المساعدة المالية. فالقناعة راسخة في العواصم الكبرى أن أي مساعدة مالية للبنان لن تعالج المشكلة من دون إصلاحات في كل المجالات بلا استثناء، وأن كل ما تفعله أنها تؤجل “السقوط” لكنها لن تلغيه على الإطلاق.

 

لا يمانع الفرنسيون محاولة تنويع مصادر المساعدة للبنان عبر التواصل مع الصين والعراق، على رغم اعتقادهم بأن إنقاذ البلد عبر إيران يفترض حسابات دقيقة وخطيرة. لكنهم أصيبوا بخيبة لأنهم هم الذين وظفوا رصيدهم لإقناع الأميركيين، الخريف الماضي وبجهد من السفير في بيروت ومن دوائر القرار في باريس، بوجوب إعطاء فرصة للحكومة “لأنها أفضل من الفراغ”.

 

في الأشهر الماضية بدأ يحصل العكس. باتت باريس أقرب إلى الموقف الأميركي حيال الوضع اللبناني. وإذا كانت الانقسامات الداخلية حالت دون تنفيذ الإصلاحات التي كانت الحكومة تعهدت بها في مؤتمر “سيدر” الذي خصص 11.8 مليار دولار لاستثمارات في البنى التحتية، فإن إخضاعها لمقتضيات تصاعد الصراع الأميركي الإيراني بات في مقدمة المعوقات التي تحجب المساعدة المالية الخارجية، بعدما بذلت الديبلوماسية الفرنسية جهداً للحفاظ على 5- 6 مليارات منها، قد تتقلص مجدداً.