الموفد «الشخصي» للرئيس الفرنسي، جان إيف لودريان، في بيروت مساء بعد غد الأربعاء. الخميس زيارات لكل من البطريرك الماروني بشارة الراعي ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. الجمعة يلتقي في قصر الصنوبر القيادات السياسية ورؤساء الأحزاب والكتل النيابية، ويقيم مأدبة غداء. يغادر السبت على أبعد تقدير، ويرفع تقريره مطلع الأسبوع المقبل إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
إذاً نحن أمام أسبوع من «تقطيع الوقت» الذي لا يوصِل الى نتيجة: فرنسا تعرف موقف البطريرك الراعي، وقد زارها أخيراً والتقى الرئيس ماكرون، وتعرف موقف الرئيس بري، وهو الذي رشَّح، مع الضلع الثاني من الثنائي، الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجيه، وتعرف موقف الرئيس ميقاتي، كما تعرف موقف القيادات ورؤساء الأحزاب ورؤساء الكتل. بهذا المعنى يستطيع لودريان أن يكتب تقريره قبل أن يغادر فرنسا، وهو في منزله أو مكتبه في باريس، من دون أن يتحمّل عناء المجيء إلى بيروت، وهو في عامه الخامس والسبعين. أمّا لماذا الزيارة؟ فكثيرون يعتقدون أنها تأتي في سياق «ديبلوماسية تحريك الملفات»، إذا لم تكن هناك قدرة على معالجتها خصوصاً بعدما منيت مهمة المستشار الرئاسي باتريك دوريل بالفشل وبعدم القدرة على إيصال فرنجيه إلى رئاسة الجمهورية.
الإنشغال الفرنسي، وتحديداً الرئيس ماكرون، في مكان آخر كلياً، خصوصاً هذه الأيام، مع وجود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في باريس. إحدى الصحف السعودية وضعت على صدر صفحتها الأولى، أمس الأحد، ثمانية مربّعات أسمتها: «ملفات على طاولة المباحثات، تعاون على كافة المستويات»، أحد هذه المربّعات الثمانية فيه ذكر للبنان تحت عنوان «الإنهاء السريع للفراغ السياسي المؤسساتي في لبنان»، لكن ما يلفت في ترتيب هذه المربّعات أنّ «استقرار الشرقين الأدنى والأوسط» هو المربع الذي احتلّ المرتبة الأولى.
البيان الرسمي الفرنسي السعودي المشترك، وما تمّ تسريبه في الصحف الفرنسية الرئيسية عن مضمون اللقاء بين ماكرون وبن سلمان، يؤكّد بما لا يقبل الشك، أنّ الملف اللبناني كان على»الهامش»، الموقف السعودي واضح ولا لبس فيه، يقول أحد الخبراء السعوديين في هذا المجال: «قبل تحقيق إصلاحات جوهرية في لبنان، السعودية ليست متحمّسة اليوم للغوص في الملف اللبناني».
يعلم الجميع أنّ لا شيء يصل إلى خط النهاية، في السياسة في الشرق الأوسط، من دون المرور في الرياض، لبنان واحدٌ من هذه الملفات، لكن إحداث الخرق في الجدار ليس أولوية، ما يعني أن المسألة «طويلة» ولا كوَّة تثبت عكس ذلك.
في إحدى مقابلاته الصحافية مع صحيفة «لو موند»، منذ سنة، يقول لودريان: «تتعيّن مشاركة إيران في طاولة المحادثات وستناقَش بقية الملفات، كالملف النووي، وتدخلاتها في المنطقة، في كل من لبنان أو اليمن أو سوريا، ونشاطها الصاروخي الغزير، ولا توجد أي فرضيات عمل أخرى على الطاولة».
كان هذا الكلام منذ أيلول الفائت، أي قبل شهرين من بدء الشغور الرئاسي في لبنان، لا شيء تغيَّر. أليس لافتاً أنّ وزير الخارجية السعودي زار إيران، في الوقت الذي كان فيه بن سلمان في باريس، وعاد ليلتحق بالوفد السعودي؟ ما هو الملف الذي حتَّم زيارة رئيس الديبلوماسية السعودية لطهران، في هذا التوقيت بالذات؟