يعود الموفد الفرنسي جان- إيف لودريان إلى بيروت، ليجدّد مسعاه الرئاسي وسط حالة من التشاؤم الناجمة عن انسداد الأفق الداخلي، والاستعصاء السياسي اللذين يحولان، أقله في المدى القريب، دون تحقيق أي خرق.
وكأنّه بات مسلّماً به: لا رئاسة في المدى المنظور. القوى السياسية قرّرت التعايش مع هذه الفكرة ومع هذا الواقع المأسوي… إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. وإلى الآن، لا تبدّل أو تغيير في المواقف:
الثنائي الشيعي متمسّك بترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية ويتّكل على عامل الوقت لكي يأتي بحليفه رئيساً للجمهورية. وهنا الرهان مشطور إلى شطرين:
شطر إقليمي مرتبط بالمفاوضات الجارية على قدم وساق بين السعودية وإيران حيث يعوّل الثنائي على مزيد من التطوّر من شأنه أن يدفع المملكة إلى الانخراط «إيجاباً» في الملف اللبناني لا سيّما أنّها لا تزال في موقع الحياد أو اللامبالاة. وشطر محلي يرتبط بموقف القوى المسيحية وتحديداً «التيار الوطني الحر» لجهة رئيسه جبران باسيل حيث لا يزال الاعتقاد سائداً لدى الثنائي في إمكانية انتزاع تأييد الفريق العوني لمصلحة فرنجية، رغم الممانعة التي أبداها ويبديها باسيل والتي تثبت بما لا يقبل الشك أنّ الرجل يخوض معركة حياة أو موت. ومع ذلك، ثمة من يعتقد أنّ باب التفاهم لا يزال ممكناً ومتاحاً.
وكشف باسيل أمس عن «معاودة التحاور مع «حزب الله» بذهنية إيجاد حلّ من دون فرض شروط مسبقة وهذا الحوار الذي بدأ بوتيرة جيّدة وإيجابية نأمل في أن يتكثف للوصول إلى نتائج تأتي بالمنفعة لجميع اللبنانيين وليس لفريق على حساب فريق».
على الضفّة المقابلة، لا مؤشرات توحي بأنّ إمكانية التراجع إلى الخلف للتفاهم حول فرنجية، ممكنة. لا بل أكثر من ذلك، يذهب بعض القوى المعارضة إلى حدّ وصف الإدارة الفرنسية بالخصم للقوى المسيحية، كونها قرّرت تغليب منطق تفاهمها مع الثنائي على غيره من الاعتبارات اللبنانية. ولا تبدي أيّ من مكوّنات المعارضة أي احتمال للجلوس إلى طاولة حوار يُراد منها ترئيس فرنجية.
هكذا، سيحطّ لودريان في بيروت مثقلاً بالخلافات العميقة بين القوى اللبنانية، والتي قد تجعل من مهمته شبه مستحيلة. ولهذا اندفع بعض أصدقاء الإدارة الفرنسية باتجاه إقناعها بالتخفيف من اندفاعتها على قاعدة نصحها بتأجيل زيارة وزير خارجيتها السابق إلى لبنان خصوصاً أنّه لا يحمل أي مبادرة قد تكون موضع نقاش، ولا هو محصّن بتفاهم إقليمي أو دولي قد يقيه التعرّض للنيران الصديقة… لكنّ قلق باريس من تمدّد الانهيار وتعمّقه، لدرجة تعريض لبنان برمّته إلى خطر الزوال، بمعنى تغيّر طبيعته السياسية والديموغرافية، هو الذي يدفعها، وفق عارفيها إلى عدم الاستسلام والاستمرار في مسعاها ولو كان من باب تقطيع الوقت لا أكثر.
لا يملك لودريان في جيبه إلا ورقة طاولة الحوار المستديرة التي يأمل في أن تشكل جسر عبور إلى نقاشات لبنانية – لبنانية قد تكسر حالة الجمود. ما يعني أنّ الدبلوماسي العتيق لم يقفز من ضفّة تبني معادلة سليمان فرنجية – نواف سلام إلى ضفّة المرشح الثالث. لا يزال في طور النقاش والبحث عن إبرة حلّ في كومة قشّ الخلافات، والعمل على وضع جدول أعمال طاولة الحوار المنتظرة التي أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّه «ركّبها» في البرلمان، مع العلم أنّ القوى المعارضة لا تبدي حماستها لهذه الطاولة تحت عنوان أنّ إنجاز الاستحقاق يكون في الذهاب إلى جلسة انتخابية في مجلس النواب.
إذاً، لا مبادرة فرنسية واضحة بعد. جلّ ما في الأمر هو حراك في الوقت الضائع، يقضي بالعمل على حفر جبل الخلافات اللبنانية بإبرة الصبر الفرنسية. ولهذا من المرتقب أن يحطّ لودريان أكثر من مرة في بيروت في المرحلة المقبلة، لا سيما أنّ تعيينه رئيساً للوكالة الفرنسية الخاصة بمحافظة العلا السعودية، لن يبعده عن الملف اللبناني، كما اعتقد البعض. لا بل ترى الإدارة الفرنسية في هذا الموقع باباً لتكثيف خطّ التفاوض بين باريس والرياض، لعلّه ينجح في تحقيق الخرق في جدار الرئاسة اللبنانية.