Site icon IMLebanon

لودريان… ديبلوماسيّة الحقيبة الفارغة 

 

 

جان ـ لوك ميلانشون، رئيس حركة “فرنسا الأبية”، وصاحب شعار “أوروبا امّا نغيّرها أو نغادرها”، قال له “لو كان هناك شارل تاليران ـ نجم مؤتمر فيينا مع كليمنت ميترنيخ ـ لقال لك…أخرج في الحال من الاليزيه بسبب ديبلوماسيتك العرجاء، بل والبلهاء”!

 

سأله “كيف يمكن أن تكون حصان أميركا، الحصان الخشبي، لكأنك لست القائل ان حلف الأطلسي قضى بالسكتة الدماغية، ودعوت الى انشاء قوة عسكرية أوروبية مستقلة عن العصا الأميركية، وأنت الذي تعرف كيف وجهت واشنطن الضربات المتتالية والقاتلة الى العنفوان الفرنسي أو الى الاقتصاد الفرنسي”…؟

 

غريب أمر ايمانويل ماكرون. من موقع الشغف بالثقافة الفرنسية نسأل هل يمثل هذا الرجل التراث الفلسفي الفرنسي من رينيه ديكارت الى ادغار موران، والتراث السياسي الفرنسي من ريشليو الى كليمنصو وصولاً الى شارل ديغول؟ الا اذا كان على خطى برنار ـ هنري ليفي كصنيعة لأمبراطورية روتشيلد، بأفكار كاليغولا.

 

الأميركيون لم يتركوا له ثغرة للدخول السياسي أو الاقتصادي الى الشرق الأوسط. وها هو يحاول الدخول من البوابة اللبنانية، بتضاريسها الداخلية والاقليمية والدولية، مع اعتبار أن فرنسا الأقرب الينا من سائر البلدان الغربية. بالرغم من ذلك، نراه يدعو لارسال قوات عسكرية الى أوكرانيا، وحتى الى توجيه ضربات نووية الى روسيا، وقبل أن يخرج من فضيحة النيجر، حيث أرغمته ثلة من الانقلابيين على المغادرة تسللاً.

 

أيضاً قيادته فريق الصقور الذين يدعون الى إحكام الحصار على ايران، كونها تزعزع الأمن الاستراتيجي (وهو الأمن الأميركي) للشرق الأوسط، كما أنه في طليعة رؤساء الدول الذين شاركوا في تدمير سوريا، وفي تقويض الدولة في سوريا، دون أن نغفل تصريحاته النارية حول عملية طوفان الأقصى في غزة، ما يجعلنا نتساءل ما اذا كان تلميذ الفيلسوف اليهودي الفرنسي آلان فينكيلكروت، أم تلميذ “الحاخام” عوفاديا يوسف.

 

كيف لرجل بتلك المواقف، أن يفكر في حل الأزمة الرئاسية في لبنان، تالياً أن يكون ذلك سبيله للتسلل الى بلدان أخرى حين يكون الدخول من ثقب الباب؟

 

عشية زيارة جان ـ ايف لودريان لبنان، أوحت باريس بحصول اتصالات “بناءة” مع كل من واشنطن وطهران، مبدية خشيتها من “الصيف الميت”، أو “الصيف المميت”في لبنان، تزامناً مع الغييبوبة الانتخابية في أميركا، ووصول الارتباك “الاسرائيلي”، بما ينطوي عليه من احتمالات خطرة، الى الذروة.

 

لودريان يمكن أن يكون رجل العلاقات العامة، لذا عيّنه ماكرون رئيساً للوكالة الفرنسية للتنمية، والمعنية بتطوير الثقافة والسياحة في منطقة “العلا” السعودية. لا مجال للحديث عن شخصية خلاقة على المستوى الديبلوماسي، وحيث عرف الكي دورسيه رجالاً من طراز دومينيك دو فيلبان، وكلود شيسون، وأوبير فيدرين، وايرفيه دو شاريت، وغيرهم وغيرهم منذ ريشليو وحتى الآن.

 

مشكلة فرنسا (فرنسا ماكرون)، سواء في الحضور السياسي أو في الحضور الاقتصادي، ذهابها الى أكثر ما ينبغي في التبعية للولايات المتحدة. هذه ليست فرنسا نابليون بونابرت، ولا فرنسا شارل ديغول. كان باستطاعتها أن تكون لاعباً مؤثراً في معالجة الصراعات الدولية، أو لاعباً رئيسياً على المسرح الدولي، بعدما كنا قد استبشرنا بالمواقف “الانقلابية” التي أطلقها في بكين، وهو الذي يعلم أن الخلاص الاقتصادي الفرنسي في الصين لا في أميركا، التي فجرت على امتداد العقود السبعة المنصرمة كل ما قدمه مشروع مارشال للقارة العجوز.

 

ماكرون يعلم أن مشكلة النازحين التي تشكل خطراً حقيقياً على الصيغة اللبنانية وعلى الدولة اللبنانية، هي صناعة أميركية لابقاء لبنان وسوريا على صفيح ساخن. الغاية لا تقتصر على تغيير المسارات السياسية للبلدين باعادة صياغة البنية الديموغرافية والدستورية لكل منهما، بل تمتد الى اعادة تركيب الخرائط تبعاً لمقتضيات الأمن الاستراتيجي للدولة العبرية. ماذا فعلت باريس لانقاذ لبنان من تلك القنبلة، سوى المساهمة في احكام الحصار على سوريا لتبقى بين البراثن الأميركية و “الاسرائيلية”؟

 

لعل السؤال الذي يقتضي طرحه الآن، أي نوع من الأطباق اللبنانية أعجب “المسيو “لو دريان، لسعيه لحل مشكلة الرئاسة الفرنسية لا مشكلة الرئاسة اللبنانية، وهو الآتي من الغرب الفرنسي بأطباقه الشهيرة؟

 

جاءنا بحقيبة فارغة، وغادرنا بحقيبة فارغة…