Site icon IMLebanon

أين لبنان في قمَّة جدَّة..؟

 

 

من الخِفَّة بمكان التعامل مع قمة جدة من منظور لبناني محض، أو تفصيل نتائجها على المقاييس اللبنانية، ولا حتى تقييم قراراتها حسب المواقف أو التمنيات اللبنانية.

لبنان كان غائباً عن وقائع القمة، وعن النقاشات التي دارت في الكواليس وأسفرت عن وضع «إعلان جدة» التاريخي، وصياغة القرارات التي تم إعلانها بعد إنتهاء إجتماعات القمة. هذا الغياب الفاقع أضاع بوصلة الموقف الرسمي والسياسي من القمة ونتائجها.

المتابعة الموضوعية لوقائع القمة والخطابات التي أُلقيت فيها، والقرارات التي خرجت بها، تؤكد أن المملكة العربية السعودية نجحت، وعبر رؤية الأمير محمد بن سلمان، ليس في تنظيم قمة مميّزة ولا تشبه القمم العربية السابقة وحسب، بل أفلحت أيضاً في لمّ الشمل العربي، وإطلاق مرحلة التعافي العربي من سنوات الفتن والصراعات والحروب التي إجتاحت أكثر من دولة عربية، وضربت وحدة الموقف العربي، وشتت مواقع القرار القومي.

والواقع أن قمة جدّة لم تكن الأولى في تجارب القمم الناجحة. فقد شهدت الرياض القمة العربية ــ الأميركية بحضور الرئيس بايدن شخصياً، وخرجت بمجموعة تفاهمات بددت الشكوك حول متانة العلاقات السعودية ــ الأميركية، وأعادت الحرارة إلى بعض مواقف واشنطن التي تهم الجانب العربي.

ثم جاءت القمة العربية ــ الصينية  بعد أشهر لتفتح مجالات التعاون الإستراتيجي بين العالم العربي والعملاق الصيني، ولتؤكد أهمية سياسة التوازن في السياسة الدولية، التي تنتهجها السعودية بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، التي عززت موقع وفعالية المملكة في النظام العالمي، حيث أصبحت السعودية، مثلاً، الوسيط المقبول من روسيا والدول الغربية في الحرب الأوكرانية، وساهمت في إطلاق مجموعات من الأسرى، فضلاً عن المشاريع التي تطرحها لإيجاد حل سلمي لهذه الحرب المريرة، والتي طالت شظاياها الإحتياطات الغذائية الإستراتيجية لمعظم دول العالم.

وبغض النظر عن الجدل حول حضور الرئيس السوري بشار الأسد القمة للمرة الأولى منذ إندلاع الحرب السورية، فإن هذه الخطوة كان لا بد منها في معرض السعي العربي الجدّي لإنهاء الأزمة السورية، والعبور إلى الحل السياسي، والتمهيد لعودة النازحين السوريين، وإطلاق ورشة إعادة إعمار سوريا.

العودة السورية سبقتها مجموعة تفاهمات بين دمشق والرياض، بقيت بعيدة عن الإعلام، ولكن سرعان ما بدأت نتائجها تظهر قبل إنعقاد القمة، حيث كانت الحرب السريعة ضد مصنّعي ومصدّري المخدرات والكابتاغون على المعامل والأوكار في مختلف المناطق السورية، وقضت على أصحابها بلا هوادة، وبرهنت دمشق إلتزامها الجدّي بما تم الإتفاق عليه، مما يُشجّع الجانب العربي المضي قدماً في إنهاء ذيول الأزمة السورية، ولو على طريقة الخطوة خطوة، تأكيداً لتحقيق الإنجازات المطلوبة على الأرض.

ولكن أين كان لبنان في القمة؟

رغم الحضور الباهت للوفد اللبناني في القمة، فقد إحتل لبنان حيّزاً مهماً في قرارات جدة، وكان القرار المخصص «لبلد الأزمات» شاملاً ومفصلاً لكل جوانب المشاكل والإشكالات التي تتحكم بمسار الإنهيارات اللبنانية.

القرار الذي تضمن ١٢ بنداً، وبعض البنود نصت على أكثر من فقرة، يصح أن يكون في صلب خطاب القسم للرئيس العتيد، كما يمكن أن يدخل في متن البيان الوزاري للحكومة الجديدة، وهو يصلح بالتأكيد ليكون إتفاقاً وطنياً في نهاية حوار مُثمر وجدّي بين اللبنانيين.

ويكفي أن نلقي نظرة سريعة على مضمون القرار، حتى ندرك أن حرص الأشقاء العرب على بلد الأرز وأهله، يفوق بكثير ما يدّعيه العديد من الأحزاب والأطراف السياسية، العاجزة عن إتخاذ أبسط الخطوات لتخفيف معاناة هذا الشعب المنكوب.

لقد حثّ القرار على تسريع إنتخاب رئيس للبلاد، وتشكيل حكومة قادرة على إجراء الإصلاحات الإقتصادية والمالية. وأكد على التضامن الكامل مع لبنان، وحق اللبنانيين في تحرير أو إسترجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وحقهم في مقاومة أي إعتداء بالوسائل المشروعة، والتفريق بين الإرهاب والمقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي. ودعم مطالبة لبنان بتنفيذ مندرجات قرار مجلس الأمن ١٧٠١، ووضع حد نهائي للإنتهاكات الإسرائيلية.

وكان لافتاً تأكيد قمة جدة على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في هذا الظرف بالذات، حيث نص القرار «على ضرورة الحفاظ على الصيغة اللبنانية التعددية والفريدة القائمة على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وكذلك رسالته الحضارية وتنوعه الثقافي القائم على العيش المشترك».

والمفارقة أن هذا الكلام جاء في مرحلة إنعدام وزن المنظومة السياسية، وحصول قطيعة غير مسبوقة بين أحزابها وسياسيِّيها، الأمر الذي يُفاقم الأزمات ويُمدد الشغور الرئاسي، وتداعياته على مستوى تعطيل المؤسسات الدستورية.

وثمة بنود أخرى تُشيد بإستضافة النازحين السوريين، ورفض التوطين، ودعم جهود إعادة إعمار المرفأ، والتعامل الإيجابي مع مجموعة الدعم الدولية، والتنويه بحرص جميع اللبنانيين على إقامة أفضل العلاقات مع الأشقاء العرب، وإعتماد سياسة النأي بالنفس عربياً.

لقد وضعت قمة جدة خريطة طريق للبنانيين للخروج من جهنم الأزمات والإنهيارات..، فهل يلتقط اللبنانيون اللحظة المناسبة، أم يستمرون في هدر الفرص السانحة؟