غاب لبنان عن كلمات كل رؤساء الوفود الذين تحدثوا في قمة جدة العربية، أمس، لكنه حضر بقوة في البيان الختامي وفي القرار الخاص به في عداد المقررات التي اتخذتها وجاء مرضياً للبنان سواء من حيث استعجال اللبنانيين انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة وتنفيذ الاصلاحات المطلوبة وإبداء الاستعداد للمساعدة على الخروج من الانهيار الاقتصادي والمالي وتأكيد حق لبنان في المقاومة لتحرير ما تبقّى محتلاً من أراضيه.
وينتظر ان ينطلق العد العكسي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في ضوء نتائج القمة العربية التي أكدت صيرورة المنطقة الى مرحلة من السلام والاستقرار التي أرسى دعائمها الاتفاق السعودي ـ الايراني منذ توقيعه برعاية الصين في العاشر من آذار الماضي، وما تلاه من انفتاح عربي عموماً وسعودي خصوصاً على سوريا، بما يبشّر بحل سياسي لأزمتها وإعادة اعمار ما دمّرته الحرب وعودة النازحين السوريين الى ديارهم.
ويرى مواكبون للاستحقاق الرئاسي انّ نتائج القمة في شقها اللبناني صَبّت في مصلحة دعم ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، خلافاً لرأي معارضي ترشيحه، فنجم القمة بعد ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان كان الرئيس السوري بشار الاسد حليف فرنجية وصديقه منذ اكثر من 30 عاماً.
ويفيد هؤلاء أسباب انصباب نتائج القمة في مصلحة فرنجية بالآتي:
أولاً – يجب ان لا ينسى أحد انه في الاعوام 2011 و2012 و2013 وما تلاها لم يبق لسوريا حليف في لبنان الا «حزب الله» وفرنجية الذي واظَب ولا يزال خلال إطلالاته الاعلامية على التأكيد ان الرئيس السوري هو «اخي وصديقي وحليفي»، ولم يتوقف عن زيارة سوريا تحت القصف لإيمانه بأنّ الصديق لا يكون وقت الرخاء وإنما وقت الشدة وفي كل وقت. وهذا طبعه مع كل اصدقائه وحلفائه.
ثانياً – في كل مراحل المشكلات والخلافات العربية ـ العربية او الداخلية في اي بلد عربي حافظَ فرنجية على مبادئه وايمانه بالتضامن العربي، ولم يُسئ الى اي دولة عربية، وتحديدا المملكة العربية السعودية، لأن نظرته للامور استراتيجية لأنه يعتبر ان الخلافات العربية ـ العربية هي خلافات مرحلية وعابرة ومآلها الزوال وانّ العرب محكومون بالتضامن فيما بينهم، وما يحصل الآن خير دليل الى نظرته الصائبة هذه.
ثالثاً- عام 2016 رشحت السعودية ومعها الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا فرنجية لرئاسة الجمهورية فتلقف هذا الترشيح واعتبره ديناً عليه، وحافظ على هذا الموقف وبقيت علاقاته إيجابية مع هذه الدول الثلاث الى الآن، فالصدق في التعاطي هو الاساس عنده، الى درجة انه قال أخيراً لبعض السفراء الذين زاروه اخيراً: «أنا أنتمي الى خط سياسي مناهض لخطكم فلماذا تزورونني وتدعمونني؟ فأجابوه: «لأنك صادق».
ففرنجية، يقول المواكبون لاستحقاق الرئاسي قام بعمل تراكمي على مستوى علاقاته وما هو فيه الآن ليس وليد المصادفة، ولذلك فإنه يجني ما زرعه سواء في علاقته مع سوريا وكثير من الدول العربية والاجنبية او في علاقته مع «حزب الله»، وكانت الامور المهمة التي سجلت له ايام حرب تموز عام 2006 انه بعد ثلاثة ايام من اندلاعها عقد مؤتمرا صحافيا في توقيت مفاجئ وتوجّه فيه الى الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله قائلا: «أشدّ يدي على يدك والنصر سيكون حليفك»، في الوقت الذي لم يكن هناك اي موقف لبناني آخر متضامن مع المقاومة.
رابعاً- ان المملكة العربية السعودية وبقية الدول العربية التي انفتحت على سوريا وطبعت علاقاتها معها وأعلنت انها ستدعمها الى أقصى الحدود لإنهاء الازمة السياسية واعادة اعمار ما دمّرته الحرب، وستقدّم لها كل ما يريحها، لا يمكن ان تدفع في اتجاه قيام سلطة في لبنان ضدها، وانما ستدفع في اتجاه ان تكون هذه السلطة مطمئنة لسوريا وللرئيس السوري في مقابل اخذ كل ما تطلبه من ضمانات، ووصول فرنجية الى رئاسة الجمهورية سيكون الضامن والمطمئن للجميع. وبهذا المعنى يمكن القول انّ قمة جدة دفعت بترشيح فرنجية الى القمة.
خامساً – انّ لبنان يحكمه مجلس الوزراء كسلطة تنفيذية جامعة، وبالتالي لا يمكن لهذه السلطة ان تكون كلها من لون واحد، من رئيس الجمهورية الى رئيس الحكومة والوزراء، وكل الطروحات المتداولة في هذا الشأن بمعزل عن ترشيح فرنجية تصبّ في هذا الاتجاه، ولذلك من سابع المستحيلات ان يتم تركيب سلطة تنفيذية للبلد من لون واحد ومنعدمة التوازن.
ولذلك يقول المتابعون للاستحقاق الرئاسي انّ فريق المعارضة لم يتمكن الى الآن من التقاطع على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية ينافس فرنجية، والسبب هو ان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل يعمل بمنطق استراتيجي فهو ليس سَهل المراس، ولكن «عندما تحزّ المحزوزية» لا يمكن ان يبتعد عن المحور الحليف له، وفي هذه الحال إنّ فريق المعارضة قد يكتشف انه امام مأزق وسيكتشف انّ في السياسة اللبنانية لم يعد هناك شيء اسمه «درابزين».
ويرى المواكبون للاستحقاق ان قيادة «القوات اللبنانية»، وبعد تقديراتها الخاطئة التي وقعت فيها من خلال اعتبار الرئيس السوري «جثة هامدة» وانه «لن يشارك في القمة العربية» (وقد شارك) وان الاتفاق السعودي ـ الايراني هو «اتفاق إطار» فضلاً عن السير بمرشح باسيل الوزير السابق جهاد ازعور على اساس انه مرشح «التيار الوطني الحر»، باتَ عليها ان تعيد النظر في علاقاتها السياسية في الداخل بما يتماشى مع الوضعين الاقليمي والدولي المُستجدّين، وان تتماهى مع ما يجري في المنطقة، وعندما ابلغها السفير السعودي في لبنان وليد البخاري ان السياسة هي عمل متحرك، انما كانت دعوة غير مباشرة منها الى النظر عميقاً في المتغيرات الجارية على ساحة المنطقة.
على انّ فرنجية كان قد أبدى استعداده للحوار مع رئيس حزب «القوات اللبنانية»سمير جعجع «راس براس» تحت سقف بكركي كما قال، ولكنه لم يسمع الا مواقف متلاحقة تعارض ترشيحه وتؤكد السعي الدؤوب لتعطيل جلسات الانتخاب لمنع وصوله الى رئاسة الجمهورية. فهل بعد كل ما جرى ستُعيد «القوات» قراءة موقفها من فرنجية، تيمّناً بما قاله عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب وائل ابو فاعور قبل اسبوعين من انّ الرياض تعيد قراءة موقفها من ترشيح فرنجية، وهي القراءة التي انتهت الى اعلانها ان ليس لديها اي «فيتو» على اي مرشح، وهي تقصد ضمناً التأكيد ان ليس لديها «فيتو» عليه؟