لا أعتقد أنّ انعقاد مجلس الأمن الدولي بعد أيام قليلة من انطلاق حركة احتجاجية على خلفية إفلاس الدولة اللبنانية سياسيّاًّ وإداريّاً، كما اتّضح ذلك من أزمة جمع ومعالجة النفايات، لتدارس الأوضاع في لبنان، هو أمر عادي يدخل في إطار عمل المجلس المذكور . لا سيّما أنّ السيد جيفري فيلتمان رئيس الدائرة السياسيّة في الأمم المتحدة حالياً، والسفير الأميركي السابق في بيروت، هو الذي بادر بحسب وسائل الإعلام، إدراج لبنان على جدول أعمال مجلس الأمن .
يحسن التذكير هنا بأنّ فيلتمان، الذي يشغل اليوم منصب نائب الأمين العام للأمم المتحدة، كان سفيراً للولايات المتحدة الأميركية في بيروت في الفترة بين آب 2004 وآب 2008، التي شهد أثناءها لبنان والمنطقة أعنف الهزات الارتدادية بعد الغزو الأميركي للعراق واحتلاله في سنة 2003 . اقتضب من هذا الاستطراد لأقول إنّ مجلس الأمن الدولي أصدر في أيلول 2004 القرار رقم 1559 يطلب فيه نزع سلاح المقاومة في لبنان وانسحاب الجيش السوري، ثم انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية خلفاً للرئيس إميل لحود .
من المعروف أنّه لم تتحقّق بنود هذا القرار الدولي، ولكن ما جرى في الواقع هو بالضدّ منها . مُدِّد للرئيس أميل لحود، لم تنسحب القوات السورية، وبقيت المقاومة محافظة على سلاحها . من نافلة القول أنّ القرار الدولي 1559 تسبّب باحتقان كبير في الأوساط السياسة . في 14 شباط 2005، تمّ اغتيال السيد رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان السابق، الذي كان قد وقع اختلاف بينه وبين السلطة السورية، فانهار الحلف الذي كان يجمعهما، نجم عنه انسحاب القوات السورية من لبنان . بالإضافة إلى هذا كله تعرّض لبنان أثناء وجود السفير فيلتمان في بيروت لحرب إسرائيلية كانت الغاية المعلنة منها، هي تنفيذ البند المتعلّق بنزع سلاح المقاومة، في قرار مجلس الأمن !
مجمل القول انّ كراهية السيد فيلتمان للمقاومة في لبنان لا تقلّ عن كراهية المستعمرين الإسرائيليين لها . يكفي التذكير ببعض تصريحاته التي جاء فيها أنّه موّل أثناء وجوده في بيروت، حملة بكلفة 500 مليون دولار من أجل تشويه صورة المقاومة، ما يعني أنّه استخدم لبنانيين . ينبني عليه أنّه يحقُّ لنا النظر إلى مبادرات فيلتمان من زاوية الحرب الأميركية ـ الأوروبية ـ الإسرائيلية على المقاومة اللبنانية. تجدر الإشارة هنا إلى محاولة بعض المعتصمين ضدّ النفايات في بيروت «الافتراء» على السيد حسن نصر الله، قائد المقاومة، باعتباره واحداً من جماعة أمراء الحرب الذين يمارسون السلطة الفاسدة باسم الدولة في لبنان !.
استناداً إليه، بديهي أن أظن، حتى إثبات العكس، أنّ بعض المعتصمين ضدّ النفايات في بيروت يُنفّذون عن قصد أو لا، رغبات السفير فيلتمان في الإساءة إلى رجل هو ليس وزيراً ولا موظفاً، وإنما يقود نضالاً ضدّ الاستعمار الإسرئيلي وحلفائه وأعوانه من السكان الأصليين ومن البلاد المجاورة، وإذا صحّتْ هذه الفرضيّة، تكون غاية فيلتمان من دعوة مجلس الأمن لبحث الوضع في لبنان هي دلالة دامغة على أنّ حلفاء وأعوان المستعمرين موجودين في الانتفاضة البيروتية . وبالتالي فإنّ فيلتمان يعمل على دعمهم وتقويتهم لكي يتحولوا إلى رأس جسر في لبنان ليس من أجل إسقاط «النظام». فالهدف الذي يريد فيلتمان أن يحققه هو «إسقاط المقاومة» تنفيذاً للقرار 1559 تمهيداً للبند المتبقي من القرار نفسه وهو انتخاب رئيس للجمهورية «قوي» قادر على سلوك نهج يوصل إلى وضع لبنان تحت وصاية الأمم المتحدة كشرط لازم لفصله نهائياً عن سوريا.