لم يستطع التباكي العربي على القدس التغطية على مصائب المشهد اللبناني، بالأساس لا تفهم إسرائيل إلا لغة الخوف والقلق، ولا تحسب حساباً إلا لمن لا يخافها ويعرف حجم ضعفها وجبنها، رشقة صواريخ على القدس من غزّة كشف وهم القبة الحديدية التي كلّفتها مليارات، فجاءت صياغة الخبر مضحكة أنها نجحت في تفجير صاروخ واحد بينما سقطت ستة صواريخ على القدس فطارت مسيرة المستوطنين المتطرفين بما أسموه يوم توحيد القدس بعدما هربوا ليختبئوا في الملاجىء التي فتحت فور انطلاق صفارات الإنذار، لا يحتاج المشهد الفلسطيني للعرب الكاذبين الذين ظنّوا أنّها قادرون على الذهاب بعيداً في بيع القدس مثلما باع آباءهم وأجدادهم فلسطين، ثمّ باعوا لبنان لمنظمة التحرير الفلسطينية وللاحتلال السوري وهم أيضاً تسببوا ببيعه للاحتلال الإيراني عندما ظنّوا أنّ إيران وحزبها بعيدان جداً عنهم وعن بلادهم، وها هم يهرولون اليوم لمفاوضتها مثلما هرولوا إلى دونالد ترامب ليوقعوا معه صفقة القرن!!
بالأمس كان لبنان سلسلة متصلة من ازدحام السيارات أمام محطات البنزين من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، من لم يشاهد أرتال السيارات في بيروت واختناقات السير التي فرضت وقوف شرطيّ أمام كلّ محطة بنزين لم يعاين أرتال الذل والأهوال التي تنتظر اللبنانيين، اليوم ذلّ مع قدرة على دفع ثمن تنكة البنزين، بعد أيام ذلّ وعجز عن ملء خزّان السيارة، ولن يجد الفرقاء السياسيّين في الأيام المقبلة ما يشغلون به الشعب اللبناني عن الواقع المأساوي الذي بلغته البلاد، سوى استحداث أزمة جديدة يفتعلها فريق ما فينخرط الجميع في جنون الأخذ والردّ والهجوم والهجوم المضاد، لإغراق الجميع وإلهائهم عن حقيقة الواقع الخطير والذي يزداد خطورة كلّ يوم أكثر من اليوم الذي قبله، وللمناسبة ثمة حقيقة تفرض نفسها بفجاجة بأنّ أيّ محاولة لنشر التفاؤل هي «سياسة إرتجال» وكفيل بالقضاء عليها، أنّ هذه دولة مفلسة أخلاقياً وسياسياً منذ زمن بعيد!
قبل ثلاث سنوات وربما لا تسعف اللبنانيين ذاكرتهم لكثرة الأحداث، في التاسع من شهر محرّم عام 2018 تحدّث أمين عام حزب الله حسن نصرالله عن لحظة «حسم الخيارات» وأنّه «يا مع محور أميركا وحلفائها من الأنظمة العربيّة.. يا مع إيران وحلفائها»، اليوم المحوريْن يتفاضان مع بعضهما اليوم ولبنان يدفع الثمن وأسوأ ما سمعناه خلال اليومين الماضيين أنّ نتيجة هذا التفاوض ستمنح حزب الله وإيران لبنان جائزة ترضية للتسلّط الشيعي الفارسي عليه، وعندما وضع حسن نصرالله في محرّم عام 2018 اللبنانيّين بين خيارين كان يعلم أنّه وفي اللحظة المناسبة لن يسمح أبداً بقيام حكومة ليست مع محور إيران وحلفائها مهما كان الثمن الذي سيدفعه لبنان، ولكن لم يكن أحد من اللبنانيّين ليتخيّل قبل أعوام ثلاثة أنّ الأمور والحال سيصل بهم إلى حدّ خسارة جنى عمرهم وأرزاقهم ومدخراتهم وقيمة رواتبهم وأنّ الجوع سيقرع أبوابهم وأنّ الحديث عن المجاعة والتخويف بها سيزداد بشكل مخيف، وأنّ حزب الله لن يرفّ له جفن وهو يرى لبنان وشعبه يتدحرجان في «مهوار» وأنّه لن يبالي بمستوى الانهيار الذي ستبلغه البلاد!
كم هو الوقت المتبقي والمتاح من الزمن الدولي للعبث المستمرّ بمصير لبنان بتواطؤ الجميع..
بدون شكّ نعيش في بلد ركيك، ما هي خطوات الإنقاذ لا تملك أي هيئة أو مؤسسة رئاسيّة دراسة واحدة واضحة وجديّة عن كيفيّة الخروج من هذا النّفق الأسود، العتمة أيضاً قادمة سيجتمع علينا الظُّلم والظُّلمة في بلد «إرتجالي» بكلّ ما للكلمة من معنى، لم تعد مجدية فيه أبداً أي محاولات لتسكين المخاوف الجديّة التي تعصف بأذهان اللبنانيّين الذين يتمسكون حتى اللحظة بصمتهم لأنّهم لا يملكون إلا التزام الصمت!