Site icon IMLebanon

خصوصية غزة في المحور الإيراني

 

 

كشف إعلان وزير الدفاع الأميركي «لويد أوستن» إطلاق «عملية حارس الإزدهار» يوم الإثنين في ١٨/١٢/٢٠٢٣ عن تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لمواجهة تهديدات الحوثيين للملاحة الدولية في البحر الأحمر، وبداية مرحلة جديدة من الصراع المتأجج في المنطقة بين واشنطن وطهران والميليشيات التابعة لها في العراق وسوريا واليمن بعد قيام الأخيرة بمهاجمة القواعد الأميركية وإسرائيل بالمسيّرات والصواريخ، وتسخين جبهة الجنوب اللبناني في دعم وإسناد المقاومة الإسلامية لمعركة طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس، ولإشغال العدو الإسرائيلي المتمادي في حربه الإنتقامية والإجرامية ضد غزة والشعب الفلسطيني وتشتيت تركيزه وجهوده في مختلف الجبهات والساحات.

في مهرجان «الضفة درع القدس» الذي أقيم بمناسبة «يوم القدس العالمي» في يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان في ١٤ نيسان ٢٠٢٣، تحدّث رئيس حركة حماس في قطاع غزة «يحيى السنوار» عمّا أسماه «محور القدس» وأكّد على أن قيادة المقاومة وقيادة محور القدس ستقومان بالتدخّل لمؤازرة المرابطين في الأقصى عبر قوى الدعم في الضفة وفلسطين ونقاط الحشد والتركيز في سوريا ولبنان واليمن. وأعاد السنوار الفضل في بناء المقاومة إلى دعم إيران وإسناد سوريا وتطوير العلاقات مع حزب الله. وقبل ذلك في ١٤ كانون الأول من العام الماضي في الذكرى الخامسة والثلاثين لانطلاق حماس توعّد السنوار الجيش الإسرائيلي بطوفان هادر وصواريخ لا نهاية لها، وبطوفان آخر لا نهاية له من الجنود. وما لم يأخذه الإسرائيلي من هذه التهديدات على محمل الجد حدث في النهاية مع طوفان السابع من تشرين الذي أظهر خصوصية معينة لغزة في المحور الإيراني، وذاتية مستقلة للحركة ومختلفة عن باقي التنظيمات المرتبطة عقائدياً بقيادة المحور الإيراني من طهران إلى بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت.

 

خصوصية غزة في المحور الإيراني ظهرت منذ الساعات الأولى لطوفان الأقصى حيث كانت المواقف متفقة وموحّدة بين واشنطن وطهران على أنه لا توجد مسؤولية مباشرة للأخيرة في هذه العملية التي أدّت إلى سقوط حوالي ١٢٠٠ قتيل و٢٩٠٠ مصاب وأكثر من ٢٠٠ أسير إسرائيلي. وفي خطاب الأمين العام لحزب الله بعد شهر على هذه العملية أكّد السيد «حسن نصر الله» على هذه الخصوصية بالقول أن طوفان الأقصى فلسطيني مئة بالمئة، وهي نسبة إن صحّت في التنفيذ، ولكنها لا تنسحب على عمليات الدعم والإسناد والتخطيط والتدريب والتنسيق المشترك، ولا تنفي انضواء حماس المعلن في المحور الإيراني وما يسمى بمحور المقاومة أو «محور القدس» بحسب ما أعلنه السنوار. وهنا تُبرز هذه الخصوصية حاجة المقاومة الفلسطينية لتحمّل المسؤولية الأولى والكبرى في هذه المعركة إلى جانب اعتمادها المؤكد على مؤازرة قيادة المحور الإيراني في طهران من خلال تحريك باقي القوى المنضوية في إطاره لضرب وتهديد المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، وفي المقابل حاجة إيران إلى التنصّل من الدخول المباشر في الحرب، وحاجة الولايات المتحدة الأميركية لعدم التورُّط في حرب إقليمية كبرى على أبواب التحضيرات الأميركية لاستحقاق الانتخابات الرئاسية في العام ٢٠٢٤.

 

تشكيل التحالف الدولي والأمني لحماية الملاحة والتجارة الدولية في البحر الأحمر جاء تحت عنوان التحدي الدولي والعمل الجماعي بين قوى متعددة الجنسيات في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن لردع ومنع هجمات الحوثي البحرية والتصدّي لكل عمل تقوم به الميليشيات التابعة لإيران ومن شأنه انتهاك القانون الدولي وتعريض السلامة البحرية لتهديدات وأفعال غير مسؤولة وخطيرة. وبالرغم من التنسيق الدائم عبر الاتصالات واللقاءات بين المسؤولين الأميركيين ونظرائهم الإسرائيليين، والتصريحات الصادرة عن رئيس الحكومة الإسرائيلية بوجوب وقف الدعم الإيراني لهجمات الحوثيين على السفن التجارية، إلّا أن الموقف الأميركي لغاية اللحظة لا يزال يتجنّب الخوض في مواجهة مباشرة مع إيران، ويعمل بسياسة فكفكة الساحات بدلاً من ربطها كما يتمنى نتنياهو، وإن كانت واشنطن قد رفعت سقف التحديات بمواجهة الحوثيين في هذه المرحلة عبر تحالف دولي يضم إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، المملكة المتحدة والبحرين وكندا وإيطاليا وفرنسا وهولندا وجمهورية سيشل وإسبانيا. ويبدو أن رسم المشهد السياسي في هذه المنطقة مستقبلاً سيكون خاضعاً لحسابات أميركية منفصلة عن مآلات الحرب الإسرائيلية المجنونة على قطاع غزة، وهي حسابات شبيهة بتلك التي رافقت عملية «ثعلب الصحراء» التي قامت بها القوات الأميركية والبريطانية في مثل هذه الأيام بين ١٦ و١٩ من كانون الأول ١٩٩٨، وخلالها تم قصف الأراضي العراقية وتدمير مئات المواقع الاستراتيجية والحيوية والبنى التحتية بذريعة عدم امتثال العراق لقرارات مجلس الأمن وعدم تعاونه مع لجان التفتيش عن الأسلحة التابعة للأمم المتحدة. وقد انتهى الأمر باحتلال العراق من قبل قوات متعددة الجنسيات بقيادة أميركية في ٢٠٠٣.

 

لا يمكن الجزم بمصير الحرب الإسرائيلية على غزة، وتداعيات استمرار الكيان الغاصب والإرهابي في جرائمه ضد الإنسانية وحرب الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، بينما تتجاهل حكومة نتنياهو تحذيرات الرئيس الأميركي «جون بايدن» من انقلاب الرأي العام العالمي ضدها بسبب الحرب الشاملة والقتل العشوائي والمتعمّد للمدنيين والتدمير المنهجي للمستشفيات والمدارس ومراكز إيواء النازحين وكافة المرافق الحيوية والبنى التحتية في القطاع الذي لم يعد صالحاً للحياة. في واقع الأمر، الرئيس الأميركي ليس حاسماً في العمل على وقف إطلاق النار في غزة، والمسألة متروكة للإسرائيليين حتى يقرروا بأنفسهم ما يريدون في كل ما يتعلق بالأهداف التي وضعوها لهذه الحرب من القضاء على حماس وتحرير الأسرى والرهائن ومنع حماس من العودة إلى حكم القطاع. وإذا كان الأميركي والإسرائيلي متوافقين على أن القضاء على حماس يحتاج لأشهر عديدة، على فرض كان ذلك ممكناً، وإذا كانت أرض المعركة تنبئ بعدم القدرة على تحرير الأسرى والرهائن بالقوة، وهو ما دفع إلى البحث مجدداً في هدنة جديدة ووقف إطلاق النار وعملية تبادل كبيرة للأسرى والمعتقلين الموجودين لدى حماس وفي السجون الإسرائيلية، فإن الهدف الإسرائيلي الأخير في منع حماس من العودة إلى حكم غزة يبقى أقرب إلى الواقع في ظل التدمير الكامل للقطاع وحاجته إلى هيكل أمني جديد تحدّث عنه الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» وأعرب عن استعداد بلاده للمشاركة في تحمل المسؤولية فيه، وللمساعدة في إعادة إعمار غزة قبل التفكير في تكوين سلطة سياسية جديدة يمكنها أن تحكم القطاع باسم جميع الفلسطينيين.

إن خصوصية غزة في المحور الإيراني لها وجوه عديدة، وأولها أن القضية الفلسطينية على المستوى الوطني هي قضية كل فلسطيني وقضية شعب صاحب حق وأرض، وليست قضية حركة بعينها أو منظمة أو فصيل مسلّح. وثانيها أن فلسطين قضية عربية تحرريّة لا تقبل الاختزال في أي محور على حساب الأمن القومي العربي. وثالثها أن الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس والمسجد الأقصى وباقي الأماكن المقدسة وكنائس المسيحيين من مختلف الطوائف هي قضية إنسانية إسلامية ومسيحية ولا مكان فيها للتناحر الديني والطائفي والمذهبي والعقائدي. قال تعالى: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إنّ الله مع الصّابرين} [الأنفال، ٤٦]. وكذلك جاء في |إنجيل متى ١٢: ٢٥|: «كلُّ مملكةٍ تنقسم على ذاتها تخرب. وكلُّ مدينةٍ أو بيتٍ ينقسم على ذاته، لا يصمد». ولذلك فالمطلوب الآن من الشعب الفلسطيني وقياداته الوطنية والسياسية أن يتحّدوا أمام هذا الخطر الوجودي والكياني غير المسبوق أكثر من أي مرحلة مضت منذ نكبة العام ١٩٤٨.. ليس من أجل سلطة ولا حتى فكرة أو غاية، ولكن فعل إيمان بالله حتى ينصرنا الله بالحق. قال تعالى: {ولقد أرسلنا من قبلك رسلاً إلى قومهم فجاؤوهم بالبيّنات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقاً علينا نصر المؤمنين} [الروم، ٤٧].