Site icon IMLebanon

القدس: عيوننا إليكِ تشخصُ كلَّ يوم

 

القدس، وضياع عربي إسلامي من حولها… ومكانها فقط من التاريخ الذي ما زال يطوي صفحات مقدسة، بدأت في زمان ما، وهي لن تنتهي إلاّ بنهاية هذا الكون.

باستثناء تلك الإنتفاضات المتعثرة من حولها، والملتهبة في قلب الكيان الفلسطيني، حيث يبرز كل يوم بطل يقدم حياته فداء ودفاعا عن المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، أطل علينا، مسلمين ومسيحين، ذلك الرئيس الأميركي بكل انتمائه الى الخط الإسرائيلي, وبكل علاقاته المتجذرة بذلك القطاع من الأميركيين الذين تحتجزه إليها انتماءات ما ورائية، لها علاقة بنظرة غريبة عجيبة الى تلك «النظرية» التي تذهب إلى أن الكون كله، ينتظر عودة المسيح المنتظر الذي سيصلح أحوال الدنيا والشعوب، وأن خلاص الدنيا بأسرها شعوبا وفئات لن يتم قبل الظهور الجديد للمسيح الجديد، وذلك كله مرتبط بنظريةٍ ماورائية يتشبث هؤلاء الأميركيون الذين يبلغ تعدادهم حوالي سبعين مليونا، يكادون أن يتشكل منهم وبهم، دين جديد ونهج مذهبي جديد، يمسك في هذه الأيام بمواقع الحكم في الولايات المتحدة من خلال ترامب الذي نشأ من بينهم وفي أجوائهم، والذي وصل بجهد هؤلاء المتصهينين، كما وصل عن طريق خطأ ما داخل العملية الإنتخابية الأخيرة لدرجة أن ترامب بنفسه خاض الإنتخابات الرئاسية كمن يخوض المغامرات غير معروفة وغير مضمونة النتائج، وشاء حظه وحظنا، معه أن يكون اليوم متربعا على أعلى قمة سلطوية في العالم يشارك نتنياهو والصفوف الصهيونية كلها في تلك المؤامرة الكبرى التي تطاول في هذه الأيام العصيبة، مدينة القدس، رمز الديانات كلها ومحطها المكاني والروحي الذي تتجمع فيه قداسات الأديان السماوية.

عقب إعلان ترامب عن بدعته باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل تلقّى، مجابهة دولية عارمة ضمّت إليها كل قوى ودول العالم الأساسية وكان ذلك في مجلس الأمن أولا حيث لم يقف إلى جانب اقتراحه الخنفشاري الاّ ترامب نفسه فكانت صفعات جماعية وإجماعية طاولته أولا في مجلس الأمن ومن ثم في الأمم المتحدة، فكانت شبه مهرجان دولي مُعارض لتفرد الولايات المتحدة بما لا يحق لها ان تتفرد فيه، وبما يخالف القرارات والقوانين والمواقف الدولية في هذا الشأن والتي تكرست بشكل دولي كاسح على مدى يتجاوز السبعين سنة، وفي ما يقابل هذه المجابهة الدولية للموقف الأميركي الترامبي، وفي مقابل الهبّة الشعبية الفلسطينية التي نشأت عقب ذلك، تذكرنا جميعا أن هناك دولا عربية كبرى ووسطى وصغرى قائمة في هذه المنطقة من العالم، كما تذكرنا أن هناك دولا إسلامية لطالما تمسكت بمعطيات وعناصر دينها الإسلامي الأساسية. بداية أطلقت جملة من المواقف الكلامية التي لا تتعدى حجما وأثرا مواقفها في أية قضية عادية من القضايا التي صادفتنا على مرّ السنوات الماضية التي اعقبت نشأة إسرائيل، بل ان معظم المواقف التي سبق اتخاذها كانت أكثر تأجّجا وحيوية وإخلاصا، وبعضها وقف في وجه هذا القرار التي حاول كثيرون قبل ترامب الدفع باتجاهه، والغريب العجيب أن الرئيس الأميركي قد قلب منطقية وأصول المواجهة مع مثل هذا القرار الأرعن ، فإذا به يهدد الشعب الفلسطيني، الضحية الدائمة التي تتقاذفها الأمواج في كل حين ومناسبة بل وبدون مناسبة بإنزال عقوبات مالية تصل إلى حد قطع المساعدات الأميركية وفي طليعتها المساعدات المخصصة لشؤون اللاجئين «الأونروا الممتد تشردهم على مدى العالم العربي، وفي أنحاء عديدة من العالم كله فاذا به ينقلب فجأة إلى معاقب مبتز للعرب وللفلسطينيين ومتاجر بلقمة عيشهم.

أما القدس، فتبقى هي الرمز الذي لا يزول ورمز القضية الفلسطينية وكل قضايا التحرر في العالم.

وأما المخاطر الناشئة عن تفلسف ترامب وعن جهله في معالجة الأمور المعقدة فهي أمر ندعو الدول العربية خاصة الى التحرك الجدي والفاعل لمعالجته بما يحفظ لهم وللديانات السماوية كلها، قدسا محررة من الدّنس الصهيوني والتآمر الترامبي والميول الأميركية الدائمة لحماية إسرائيل وتأييد مواقفها وقضاياها، الصغير منها والكبير، إن شبه الصمت الذي تتخذه معظم الدول العربية موقعا وموقفا وتوجها، يدعو إلى الشبهة الفاقعة، وقد آن الأوان أن تستلحق وقفةَ حق وضمير وقدسية فلا تضيع قضية القضايا، ولا تضيعنا معها.