Site icon IMLebanon

القدس.. الخيانة مستمرّة

 

لا مشروعيّة ولا قيمة لكلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالأمس عن أنّ «القدس هي عاصمة الشعب اليهودي منذ الماضي»، ولا أهميّة ولا تعويل على انعقاد مجلس الأمن اليوم الثلاثاء في جلسة طارئة حول المجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة يوم أمس، فنهاية الاجتماع الطارىء معروفة وهي «ڤيتو» أميركي، ولا قيمة ولا معنى لحديث رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس باعتبار السفارة الأميركية بؤرة استيطانية أميركية في القدس الشرقية أو غيبوبته بالدّعوة إلى تنكيس الأعلام لمدة 3 أيام والإضراب بمناسبة يوم النكبة، لا شيء سيغيّر حقيقة أنّ عدد الضحايا في قطاع غزة بلغ 52 قتيلاً وأكثر من 2400 جريح، ولكن هذا الرّقم على الرّغم من كونه كبيراً جدّاً، إلاّ أنّ المشهد الحقيقي والمؤلم كان في القدس الشرقيّة.

 

لا أخاف على القدس، ولا على المسجد الأقصى «الذي سندخله كما دخله عباداً لله قبلنا»، ولا أخاف على كنيسة القيامة، أنا خائفة على أهل القدس الشرقيّة بمسيحيّيها ومسلميها «أهل الربّاط» كما وصفهم لنا نبيّنا في الحديث الشريف، وللحقيقة خائفة عليهم من خيانة العرب المستمرّة لفلسطين وللقدس ولشعبها منذ العام 1948، بل قبل ذلك بكثير، منذ أعطى الإذن بإنشائها وزير الخارجية البريطاني، أنتوني إيدن، في خطابه بتاريخ 29 أيار 1941 قائلاً: «العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف، ولا ينبغي أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا ويبدو أنه من الطبيعي ومن الحق وجود تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية وكذلك الروابط السياسية أيضاً.. وحكومة جلالته سوف تبذل تأييدها التام لأيّ خطة تلقى موافقة عامة»، ومباشرة بعد خطاب إيدن، دعا رئيس الوزراء المصري آنذاك، مصطفى النحاس، مجموعة من رؤساء الوزراء العرب، إلى ضرورة إقامة جامعة عربية توحد الكلمة وتوحد الروابط الاقتصادية والدينية والثقافية للدول العربية، أين هذا التوحيد؟ أين هذه الروابط؟ أين هذا الاقتصاد؟ أكاد اليوم أؤكّد أنّ الهدف الوحيد الذي سعت إليه بريطانيا دولة وعد بلفور وتقسيم فلسطين من إنشاء جامعة الدول العربيّة كان لإيجاد غطاء عربي لتسليم فلسطين لليهود، هذه حقيقة ستكشف وثائقها يوماً ما.

لا أخاف على القدس من كلّ السفارات التي سيتم فتحها في القدس الشرقيّة لتهويدها، لا أخاف لأنّني على يقين تامّ الإيمان بأنّها ﴿الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ [سورة الأنبياء/ 71]، والله لن يتخلّى عن أرض بارك فيها «للعالمين»، والعالمين تعني كلّ الناس والأديان، ولا أخاف على القدس لأنّها بوابة الأرض إلى السماء، هي أرض  المعراج الآية العظمى لارتقاء نبيّنا صلوات الله عليه إلى قاب قوسيْن أو أدنى، ولا أخاف على القدس لما روته الصحابية الجليلة ميمونة بنت سعد رضي الله عنها عن نبيّنا صلوات الله عليه قالت: قلتُ يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس. قال: «أرض المحشر والمنشر، إئتوه فصلّوا فيه، فإن صلاةً فيه كألف صلاة في غيره.» قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمّل إليه؟ قال: فتهدي له زيتاً يسرج في قناديله، فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه». [رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد والبيهقي بإسناد صحيح].

لا أخاف على القدس لما ورد مرتين في محكم الننزيل، يقول تعالى: ﴿وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلنَّ علواً كبيراً * فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً * ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً * إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علموا تتبيراً﴾ [سورة الإسراء/ الآية 4 ـ 7 ].

نعم، أنا خائفة على أهل القدس، خائفة عليهم من خيانة العرب لهم والتآمر عليهم، خائفة عليهم من «النّكبة» الجديدة التي تلوح في أفق «القدس» وتهويدها وطمس هويّتها، المشهد العربي والدولي بالأمس مخزٍ بشدّة افتتاح «الوكر» الأميركي في القدس الشرقيّة إعلان لتكريس تهويد القدس برعاية عربيّة ودوليّة، هذا ما أعلنه دونالد ترامب بلسانه بالأمس «القدس هي عاصمة الشعب اليهودي منذ الماضي»، ولكن لا أحد بالأمس كان يريد أن يقرأ أو يسمع، لقد شغلوهم بالصور الآتية للضحايا الذين سقطوا في غزّة!