Site icon IMLebanon

ننتظـرُ مجيئَك كلُّنا

 

 

أيها السيد: وأنا أتوجَّـع في جهنَّميّـةِ الأرض هذه، أسأَلك وأنت القائل: «تسمعون بحروبٍ وبأخبار حروب، ستقوم أمّـةٌ على أمّـةٍ ومملكةٌ على مملكةٍ، وتكون أوبئةٌ ومجاعات وزلازل…» (1)

 

أسألك: «وأنت تتكلّم على مجيئك الثاني فتقول لأنّه يكون حينئذٍ ضيقٌ عظيمٌ لم يكن مثلَهُ منذ ابتداء العالم ولن يكون…» (2).. وكما البرقُ يخرج من المشارقِ ويظهر إلى المغارب هكذا يكون مجيء إبـن الإنسان…» (3).. إنَّ نجاتَكم تقترب…» (4)

 

أسألك: هل تقتربُ نجاتُنا وقد حان موعدُ مجيئك الثاني…؟

 

وأستعرض معك ما تنبَّـأْتَ بـهِ وما استشرى في هذا الزمان المتوحش: حروبٌ وأوبئةٌ ومجاعات، شرور وفساد وموبقات، كفرٌ وفقرٌ وعنـفٌ وضيقٌ عظيم.. أجيالٌ مخضّبـةٌ بالدموع والدماء، أنبياء كذَبة كثرت آثامهم في الأرض، سحَرةٌ ومنجّمون يسنّون شرائع تناقض شريعة الـربّ، عقولٌ مجنونةٌ، أرواحٌ مسكونة بالشياطين.

 

وأراني ألـحُّ ملهوفاً في السؤال، هل هي مقدّمات مجيئك الثاني التي بها تنبَّـأت…؟

 

أعرف أنَّ الخلاص مصدرُهُ الإيمان، وأعرف أنّ أورشليم هي التي تخلَّت بالكفر والمكر عن خلاص نفسها على يديك، وقد كان سكّانها يتقاسمون أهوال الموت والجوع، والأمهات يأْكلنَ لحمَ أولادهنّ الأموات، والآباء يتخاطفون مع أبنائهم آخر كسرةٍ من الخبز.

 

وأعرف، وأنت تتجـرّع الموت كفَّارةً عن البشرية، كيف بادلتْك البشرية بالخيبة… الذين استقبلوك بسُعُـفِ النخل والزيتون في أورشليم، هـمُ الذين قالوا: اصلبوه، وهم الذين ساقوك مدمَّـىً إلى الجلجلة.

 

حتى تلاميذك، الذين شهدوا على يديك المعجزات: شفاء الأبرص والأعرج والأخرس وفَتْـح العيون وإقامة الموتى، أنكروك وأنت معّلقٌ على الصليب حين رأوك عاجزاً عن إنقاذ نفسك، ولم يدركوا أنَّ مَـنْ يواجه الشرَّ بالشرّ يصبح شريراً، وأنّ الإنتصار بلغة اللهِ يكون بالمحبّة.

 

بعد القيامة، إنقشع أمامهم السرُّ الإلهي، وأدركوا أنَّ ذلك المصلوب الذي يتقطرّ الدم من إكليل الشوك على رأسه ووجهه والجبين، وينزف من يديه وقدميه تحت وقع المسامير، راح يقول: إغفر لهم يا أبتاه.

 

فإنما هو يجسّد سلطة الله التي تقوم على الغفران والرحمة، وينشر مبادىءَ السماء كأنموذجٍ لبني البشر الذين خلقهم الله على صورته.

 

من أجل ذلك أعرف أنك لن تُحجم كرسول إلهي عن مجيئك الثاني ولا إخالك تأتي مصلوباً هذه المـرّة، وقد ناشدْتَ إلهكَ أن يرفـعَ عنك تلك الكأس، بل لترفع الكأس عن المصلوبين ظلماً، وعن الذين صلبوا أنفسهم بحبال الكفر والخيانة.

 

لن تتخلّى عن أولئك الحزانى والبؤساء والفقراء والمساكين الذين تستشعر آلامهم، وفي المزود وُلدتَ أنت، وفقيراً نشأت وعاملَ نجّـار كنتَ مع يوسف، وفي البريّة كنت تصوم وطعامك العشب.

 

ولن تتخلّى عن ثورتك الإنسانية، ضـدّ الذين اغتنوا بالأموال المنهوبة وضـدّ السماسرة والصيارفة والتجار الذين جعلوا هيكل الـربّ مغارة للصوص.

 

أيها السيد:

الطبيعة الكونية التي حتَّمتْ مجيئك الأول، هي التي تحتّـم مجيئك الثاني.

«هذا الذي ارتفع إلى السماء سيأتي ثانيةً كما صعد»… (5)

بل هو أنت الذي وعـد بأنَّ النجاة تقترب..» ومِـنْ أجل المختارين تـقصر أيام العذاب…» (6)

وهم المختارون والمعذّبون في الأرض يستصرخونك الخلاص وينتظرونك ساجدين… آمين.

1– متى: 24: (7 – 8 – 13) 2 – متى: 24: (21 – 22) 3– متى: 24: (23 – 27)

4 – لوقا: (21 – 28) 5 – أعمال: (1 – 11) 6 – متى: (24 – 22).