IMLebanon

حقل «قبر اليهودي»

 

 

سنة 1983 اتصل بي الى مكتبي في رئاسة تحرير مجلة «الأسبوع العربي» الرائدة (المتوقفة عن صدور نسختها الورق منذ سنوات) رجل أعمال لبناني معروف راغباً إليّ أن أستقبله في مكتبي لأنه يودّ أن يبحث معي في أمر مهم. حدّدتُ له موعداً بعد بضعة أيام. وكالعادة ذكّرتني أمانة السر عشية الموعد الذي ما إن حان حتى دلف الرجل الى الداخل عبر باب المكتب المفتوح. ومن تقاليدي أنني لا أقفل باب المكتب طوال عملي في هذه المهنة سواء أكنتٌ رئيساً للتحرير أم مديراً عاماً لا في لبنان ولا في الصحف التي أنشأتُ اثنتين منها في بلدَين خليجيين، وما زالتا تتصدران المطبوعات هناك.

استقبلتُ الرجل وبعد المجاملة وقهوة الأهلاً وسهلاً قال لي إنه يأمل أن ألبّي دعوته الى غداء أو عشاء، والقرار، مع التوقيت، يعودان لي.

وفي إطار تقاليدي إياها اعتذرت عن عدم التلبية وطلبت من الضيف أن يضعني في «الأمر المهم» الذي قال في اتصاله الهاتفي أنه سيبحثه معي. اعتصر الزائر صدغيه براحتَي الكفّين ليبدوَ عليه بعضاً من الإرباك قبل أن يأخذ نفَساً عميقاً: أنا قاصدك لأنني أتمنى عليك تسهيل رغبتي في شراء قطعة أرض زراعية في قريتك…

وقبل أن يكمل كلامه قاطعته: ولماذا الإرباك، فالبيع والشراء حلالان، ولكن مَن هو ابن (…) الذي أخبرك أنني أعمل وسيط عقارات الى جانب عملي رئيساً للتحرير.

بدا عليه أنه تهيّب الموقف، إذ قال: عفواً أستاذ، أرجوك لا تفهمني خطأً، فأنا أقصد عقاراً أنت تملكه، وهو «محوطة» الزيتون التي اسمها «قبر اليهودي».

قلت له: أنا حريص جداً على العقارات التي أورثنا إياها الآباء والأجداد، ولم أبع منها إلّا أربع مرّات تحت ضغط الأقساط المدرسية عندما أكون عاجزاً عن سدادها.

ثم وقفتُ منهياً المقابلة.

بعد بضعة أيام توجهتُ الى أحد مطاعم العاصمة لتناول طعام الغداء وأسرتي… ولفتني وجود رجل الأعمال نفسه يتناول الطعام مع وزير حرب العدو الصهيوني، آنذاك، أرييل شارون، فعدنا أدراجنا نحو مطعم آخر.

… وأدركتُ سبب حماسة رجل الأعمال «الشهم»، لشراء قطعة الأرض المعروفة باسم «قبر اليهودي» التي آلت ملكيتها إليّ. وأذكر أنني سألت والدي (رحمه الله) الذي كان لا يزال على قيد الحياة في حينه عن تسمية ذلك العقار، فأجابني انه طرح السؤال ذاته على المرحوم والده فزوّده بالجواب ذاته أنه سأل، بدوره، والده أي جد جدي، والمعلومة ذاتها: حدث، ذات زمن، أن مرّ تاجر يهودي في ضيعتنا وكان يبحث عن الحرير الطبيعي الذي كانت تنتجه ديدان القزّ، وصودف أن تعرض لأزمة قلبية فارق الحياة على أثرها، فدفنوه في تلك الأرض التي هي من أملاك أسلافي رحمهم الله.

ولما كانت المقاومة اللبنانية قد دحرت شارون، لاحقاً من بيروت ثم من الجنوب، فلا أظن أن بنيامين نتنياهو سيتمكن من أن يطالب بأرضي على غرار سلفه، إن عبر رجل أعمال برتبة حقير، أو أي عميل آخر.