الآن وبعدما باتت حقبة الحرس القديم برحيل شمعون بيريز في ذمة يوم الحساب الإلهي حيث رب العالمين يمهل ولا يهمل، وكان إمهال الفِعْل الصهيوني طويلاً، هل من تغيير مأمول يمكن حدوثه في الجيل الآتي مِن الذين سيقودون الحُكم. ونقول الآتي على أساس أنه لا أمل يُرتجى من الحاليين المنضوين تحت حقبة نتنياهو.
والتغيير المأمول لأن أكثر من نصف قرن من الإختبار يكفي لكي يتأكد الجيل الإسرائيلي الشاب أن جيل التأسيس كان حالة ظُلم إقترفها رؤساء عصابات أبرزها «الهاغانا» و« شتيرن» وأن الجيل الوارث المخضرَم برموزه الثلاثة أرييل شارون، إسحق رابين، موشي دايان، إيهود باراك، بنيامين نتنياهو، كان حالة عدوان متدرج حقق فيه المعتدون المشار إليهم في عهود متلاحقة العدوان على أنواعه والإحتلال وهدْم بيوت الناس وزج الكثير من الفتية والفتيات في السجون. وهكذا فإن أفعال الجيليْن لم تحقق الشعور بالأمان للناس وبقي الإسرائيليون في حالة خوف يعيشونه على مدى ساعات اليقظة وقد يعانون وهم نيام من كوابيسه.
في ضوء ذلك ومن دون أن تشعر الدولة المغتَصِبة أرض شعب فلسطين العربي المسيحي – المسلم بالأمن، وهي لن تشعر به حتى بعد الدعم العسكري الأميركي والمساعدات، جاء إعلان الرئيس أوباما منتصف أيلول الماضي وعلى هامش الدورة السنوية العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة بأن حزمة مساعدات جديدة بقيمة 38 مليار لإسرائيل ستقدِّمها إدارته من أجل الدفاع عن نفسها. ولو أن أوباما قَرَن تقديم هذه المساعدة المليارية بالحصول على حزمة كلمات يتعهد فيها نتنياهو الذي حظي باللقاء الأخير مع أوباما الرئيس، بالموافقة على صيغة الدولتيْن، لكان ذلك مفهوماً وكان سيلقى أوباما الإمتنان من الفلسطينيين ومعهم الأشقاء والأصدقاء من عرب ومسلمين وشعوب دول متعاطِفة معهم. لكن الذي فعله الرئيس أوباما كان تحميل ذمته المزيد من أوزار الوقفة مع المعتدي والتسليم بعدوانية إسرائيل إلى جانب إستهانة نتنياهو به. وتأكيداً لما نستنتجه يستوقفنا قول الرئيس أوباما لزائره نتنياهو المعتدي على شعب فلسطين وعلى الكرامة الأميركية من خلال الإستهانة بها « إن أمن إسرائيل مهم لأمن أميركا القومي. وأنا سأزور إسرائيل بين فترة وأُخرى بعدما أُنهي ولايتي لأن هذه بلاد جميلة ». وعندما يقول أوباما ذلك من الطبيعي أن ينافقه نتنياهو من خلال القول « ليس لإسرائيل صديق أفضل من أميركا، وليس لأميركا صديق أفضل من إسرائيل. صوتك سيبقى مسموعاً حتى بعدما تٌنهي رئاستَك، ودوماً ستكون ضيفاً مرغوباً به في إسرائيل ».
قد تبدو مشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في تشييع جنازة شيمون بيريز، أن الرجل رفع الراية البيضاء وسلَّم بإسم شعب فلسطين بالأمر الواقع خصوصاً في ضوء الموقف الأوبامي غير النزيه. لكننا نرى أن المشاركة خصوصاً أنها حدثت رغم رغبة نتنياهو كونها تمت بدعوة شخصية من عائلة الرئيس الإسرائيلي الراحل وتخصيص مكان جلوسه في الصف الأول إلى جانب الكبار ومنهم الرئيس أوباما الذي جاء من واشنطن للمشاركة في التشييع، وليست كما الدعوات التي وُجِّهت إلى آخرين من جانب حكومة نتنياهو، هي فِعْل دبلوماسي وسياسي قطَع الطريق على إدعاءات نتنياهو وتهرُّب أوباما من تنفيذ ما وعد به ، إلاَّ إذا كان قرار اللحظة الأخيرة له سيتمثل بمفاجأة الأمتيْن العربية والإسلامية ودول العالم عموماً بالدعوة إلى قمة دولية عربية مصغرة يشارك فيها الرئيس عباس ونتنياهو وتكون هذه بالفعل بداية الإنتقال من الوعود إلى الإلتزام والتنفيذ وإنهاء التلاعب والتسويف.
وعندما نلاحظ حراكاً نوعياً يحدث في إسرائيل ويتمثل في أن يائير لبيد أحد أبناء الجيل الثالث والذي يسجِّل بعض المواقف المتعقلة لجهة التسوية والإنخراط في عملية سلام إقليمي بات على أُهبة خوض سباق رئاسة الحكومة مما يعني طيْ ورقة نتنياهو، فإن ذلك يجعلنا أقرب قليلاً من التفاؤل وأبعد بالمثل من التشاؤم مما قد يحدث مع الإدارة الأميركية الجديدة التي سترث إدارة أوباما وتعكس مضامين تصريحات القطبيْن المتنافسيْن دونالد ترامب وهيلاري كلينتون إنطباعاً بأن لا تغيير سيحدث في الموقف الأميركي.. هذا إذا لم يقرر ترامب أو هيلاري كلينتون الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل مما يعني أن صيغة الدولتيْن ستتراجع ثماني سنوات جديدة إلى الوراء.
خلاصة القول إن حقبة الحرس القديم التي أسست بالعدوان دولة لقيت الرعاية من بعض دول العالم، روسيا قبل أميركا، وبريطانيا قبل دول أوروبا، طُويت برحيل بيريز. وأمام الجيل الإسرائيلي الثالث فرصة البقاء الآمن وذلك من خلال « ربيع يهودي» يتمسك بمبادرة السلام العربية قبل أن تُرفع من الطاولة وتغرق المنطقة في ما هو أكثر من الذي جرى. وكل المؤشرات توحي بذلك.