IMLebanon

يهود آل سالم الفقراء.. «إسرائيل» التي يحاربها الحوثيّ

عندما يتناول السيد حسن نصر الله الشأن اليمنيّ يقدّم جماعة «أنصار الله« كواحدة من الحركات المناضلة ضد اسرائيل في هذا الشرق. لكن ما هي اسرائيل التي ناضلت هذه الجماعة ضدّها؟ 

هذه ليست اسرائيل التي قامت استعمارياً على أرض فلسطين. انها اسرائيل من نوع آخر. لا يتعدّى عدد سكانها بضع مئات. لكنها بخلاف الدولة الصهيونية قائمة في الجبال والمواطن نفسها منذ مئات السنين. لا تملك النووي ولا الميركافا، وأغلب سكّانها لم يصعد يوماً بالطائرة، وهم تقريباً من عائلة واحدة. 

اسرائيل التي قاتلها وهجّرها الحوثيّون هي يهود آل سالم في صعدة، وعائلات يهودية أو من أصل يهودي في مدينة ريدة بمحافظة عمران. وهؤلاء ليس الواحد منهم البارون روتشيلد أو إدمون صفرا، بل اكثرهم تعتمد معيشته على المعونات الغذائية من سكر وطحين كانت تقدّمها الدولة، و«يبرطل« بها الرئيس السابق علي عبد الله صالح العالم، بأنّه يحمي بقايا الوجود اليهودي التاريخي الذي هو جزء حيويّ من حضارة اليمن. 

«اللعنة على اليهود« التي يرفعها الحوثيّون كشعار لهم، ترجمت نفسها حرفياً، بمطاردة عائلة آل سالم في «قراهم« بصعدة، ودثر بيوتهم واستباحة أموالهم القليلة وتدمير حرفهم المتواضعة. فهل أن المعركة العالمية للممانعة هي ضد فقراء آل سالم، يهود صعدة وريدة، وعشرات اليهود الآخرين في صنعاء؟

ما جريمة هؤلاء؟ انهم لم يهاجروا الى اسرائيل، ولم يهتموا بأي «بساط ريح« يمتد اليهم؟ لعلّ الحدّ الأدنى من المصداقية في كلام السيد يبدأ من توجيه النقد، أو النقد الذاتي لا فرق، لجماعة «أنصار الله« الحوثية، التي جعلت من مطاردة عائلة فقيرة في صعدة مفهومها لخوض الصراع ضد الصهيونية. بما أن السيّد يسوّغ نصرته للحوثيين بعناوين منها التضامن مع الفقراء، فيهود آل سالم فقراء، ومع التعددية الدينية والتراث الحضاريّ والتسامح ورفض التكفير، فيهود اليمن من معاني هذه التعددية. فليظهر السيد جرأة نقدية بسيطة في هذا الموضوع المتواضع، وليقل لعبد الملك الحوثي، كفى ظلماً لفقراء آل سالم، وكفى شعار «اللعنة على اليهود«، وليعطه مثال يهود ايران. رغم كل ما حصل لهم بعد الثورة، لا يزال يهود ايران يشكلون اكبر تجمع يهودي في الشرق الاوسط بعد اسرائيل، أي نحو عشرة آلاف نسمة، ولهم نائب في البرلمان (سيامك مرة صدق). ألا يكفي هذا لتوجيه النقد للحوثيين على الظلم الذي يمارسونه ضد عائلات فقيرة؟ أليس من الظلم اعتبار الحوثيين حركة متقدمة في الصراع مع اسرائيل حينذاك يا سيد؟ ألا تظلم نفسك بنفسك حينذاك في الكلام؟ 

قد يقول قائل: بضع مئات من يهود ريفيين في شمال اليمن فهذا موضوع تافه، لا مكان له في النقاش «الاستراتيجي« العامر في المنطقة، بجناحيه. لكن الواقع، ان الترجمة الحوثية الوحيدة لشعار مقاومة اسرائيل هو في اضطهاد يهود فقراء ريفيين في صعدة. وأساساً، في هذا الموضوع لا يكذب الحوثيون، شعارهم يتمسكون به «اللعنة على اليهود«، بل انه الشعار الوحيد الذي يميزهم عن بقية الخمينيين، الذين يأخذون عنهم شعاري «الموت لأمريكا« و«الموت لاسرائيل«. 

فاذا كان السيّد راغباً في إلباس الحوثيين ثوباً وطنياً تحرّرياً، اجتماعياً تقدّمياً، تنويرياً عقلانياً، وكان راغباً في إرجاع حصة من التوازن الى كلامه، أليس المناسب أن يتوجّه، ولو عرضاً، ولو بجملة، في نهايات خطاب، أو في استطراد لا فرق، لحليفه الحوثي، ويقول له، أوقف ظلمك لآل سالم الفقراء، الطيبين، المسالمين، المستضعفين، في صعدة، واسحب شعار «اللعنة على اليهود« من كل اليمن؟