بينما تختبر قرى قضاء جزين الاستحقاق البلدي ببعض من برودة الأعصاب، وبحدّ مقبول من الحساسيات السياسية، تغلي جزين – البلدة بـ «السيناريوهات» التي تروّج معظمها لمواجهة باتت أقرب الى الواقع من مجرّد التكهّنات، حيث سنجد العونيين والرئيس نبيه بري مرّة جديدة وجهاً لوجه.
لم تنفد «بضاعة» التوافق تماماً من سوق جزين. ثمّة من يشتغل على آخر الفرص من أجل تجنيب البلدة معركة بلدية ستفتح «الخط العسكري» نحو مواجهة قد تكون حتّمية في النيابة. لكن، وعلى ما يبدو، تصطدم محاولات تقريب وجهات النظر بعوائق ثقيلة، ليس أقلّها صعوبة الالتقاء بين القوى الحزبية المسيحية من جهة، وبين آل عازار من جهة أخرى.
مساء الأربعاء الماضي دعا ابراهيم عازار نجل النائب السابق سمير عازار والمدعوم من الرئيس نبيه بري إلى اجتماع تحت عنوان «مشروع التوافق» في دير مار انطونيوس. لكن المقاطعة العونية القواتية كانت في المرصاد، إضافة الى إدمون رزق الذي تغيّب بعذر في مقابل حضور كل من فوزي الأسمر وريمون عون (الحزب القومي) وأنطوان الأسمر ممثلاً «حزب الكتائب»، فيما قاطع ريشار الأسود رئيس إقليم جزين الكتائبي.
يعتبر العونيون أن تفرّد عازار في الدعوة الى هذا الاجتماع وعدم التحضير له بالتنسيق مع النائب زياد أسود عجّلا في رفع الغطاء العوني القواتي عنه.
ويرى أسود «أن الدعوة خطأ والمقاربة خاطئة وهي خطوة سياسية ناقصة»، مشيراً إلى أن ابراهيم عازار «لا يستطيع الحديث عن محاولة توافق في وقت يرفض فيه، وتحت حجج مختلفة، الجلوس بداية معي باعتباري ممثلاً عن القوة السياسية الأكبر في جزين وهي «التيار الوطني الحر». ويلفت إلى «أن منطق الأمور يقول بحصول تفاوض ثنائي بيني وبين عازار بداية تمهيداً لجلوسنا جميعاً لاحقاً على طاولة التوافق».
يقول أسود «يوم الأحد الماضي أصدر عازار بياناً أعطانا فيه مهلة 24 ساعة، وقد رددنا لاحقاً بأن باب التفاوض قد أقفل. اليوم يقول يدي ممدودة ونحن نقول يدنا ممدودة أيضاً لكن هناك قواعد يجب احترامها وأولها الجلوس معي وإن لم يكن في منزلي، فلا بأس يمكن أن يكون في أي مكان آخر محايد»، متّهماً عازار «بالانعزالية وقلّة المسؤولية وبمحاولة السيطرة على الجميع».
لكن لعازار مقاربته المختلفة تماماً، إذ يؤكد أنه «منذ شهرين وأنا أدعو الأفرقاء المعنيين إلى الاجتماع في جلسة موسّعة للسير بخيار التوافق، لكن حتى هذه اللحظة لم يتجاوب أحد معي». ويشرح قائلاً «سبق واجتمعت مع هيئة «التيار الوطني الحر» بوصفها الهيئة المكلّفة رسمياً التفاوض معنا، إضافة الى خليل حرفوش، رئيس اتحاد البلديات، واتفقنا على اجتماع موسّع آخر مع القوى الأخرى». ويشير إلى أنه وبعد التوافق على اللقاء سابقاً و «كان يوم أحد، اتصل بي أسعد هندي وأبلغني بإلغاء الاجتماع، ومن هنا بدأت رحلة المماطلة والتأجيل حيث عاودتُ الاتصال بهم وفي كل مرّة كانوا يقدّمون حجّة مختلفة تؤجّل اللقاء الموسّع».
يضيف عازار «يوم الخميس الماضي وبعد أن أبلغت حرفوش بأن عدم دعوتهم الى هذا اللقاء يعني أنهم لا يريدون التوافق، قال لي الأخير إن النائب أسود يريد أن يلتقيني على انفراد لكن ليس في منزلي، فقلت ليس عندي أي مشكلة، لكن أرفض الجلوس معه فقط من دون البقية لأنني أحتاج الى شهود على اللقاء كوني لا أثق به ولا بكلامه». ويبدو عازار مرتاحاً إلى تحالفاته مع عدد لا يستهان به من عائلات جزين.
يتصرّف «التيار الوطني الحرّ» من منطلق أنه «أم الصبي» في بلدية يعتبر أنه يملك مفتاح دخول القوى السياسية إليها وبأن المسألة تكمن في الأخذ بمعيار الأحجام. لذلك تبدأ مشاكله من حلّ أزمة الحصة المفترض تجييرها لحليفه المستجدّ «القوات» ولا تنتهي عند عتبة استيعاب ابراهيم عازار، مؤكداً «بأنه لا يريد المعركة ولكن هناك من يحاول جرّه إليها».
يتجلى السقف الثابت لمطالب «التيار» برئاسة البلدية ورئاسة اتحاد البلديات، والنصف زائداً واحداً في البلدية، فيما يتوزّع الباقي على العائلات والأحزاب، مع الاستعداد لإعطاء «القوات» ثلاثة مقاعد ومختار.
ويبدو أن «القوات» اختارت سياسة الديبلوماسية المموّهة. تبدي في العلن رغبة في التوافق، وفي الكواليس ترفض وضع اليدّ مع ابراهيم عازار، ثم تكبّر حجر الحصة البلدية.
لن يترجم سقوط التوافق سوى بولادة لائحة ثانية مدعومة من عازار في مقابل تلك المدعومة من «القوات» و «التيار»، المحكومين بالتوافق بالرغم من عدم حسم مسألة الحصص بعد، إضافة إلى النائب السابق أدمون رزق والقومي والعائلات. «الكتائب» على ما يبدو أخذت خيارها المبدئي في الاصطفاف إلى جانب لائحة الثنائي المسيحي.
وفيما لم يتبلور بعد الاسم الذي قد يترأس اللائحة الثانية، مع العلم أن عازار طرح سابقاً اسم ريمون عون لرئاسة بلدية جزين كمرشّح توافقي، فإن الرابية اختارت الركون إلى أرقام الاستطلاعات لتحسم خيارها بشأن هوية الرئيس على اللائحة العونية القواتية. سلّة الأسماء شملت خليل حرفوش، رئيس البلدية الحالي، وبطرس الحلو وروني عون وفادي مقنزح ومارون كنعان.
الإسمان الأكثر جدّية هما حرفوش والحلو، حيث أعطى الاستطلاع حرفوش 67 في المئة من أصوات المستطلعين. وقد أعلنها ميشال عون أمام المرشّح الى النيابة أمل أبو زيد والنائب أسود ومنسّق هيئة جزين مارون قطار ومنسّق هيئة القضاء في «التيار» أسعد الهندي وبطرس حلو خلال اجتماعهم في الرابية.
ووفق المعلومات فإن الرابية التي ارتاحت خلال الفترة لأداء حرفوش وإنجازاته على صعيد البلدية ورئاسة الاتحاد حاولت تجنّب «زعل» عائلة حلو (نحو 150 صوتاً) فاستنجدت بالإحصاءات لتساعدها في الاختيار بين الرجلين.
وهكذا فإن المتموّل غازي حلو الذي سبق أن سمّى في الانتخابات الماضية شقيقه وليد الحلو لرئاسة البلدية (استمر لثلاث سنوات ثم حلّ خليل حرفوش في النصف الثاني من الولاية كحلّ وسط بعد خلافات عصفت بالمجلس البلدي) عاد وطرح اسم عمّه بطرس حلو لرئاسة البلدية، لكن نتيجة الاستطلاع لم تأت لصالحه، وهذا ما قد يقود الى خسارة اللائحة أصوات آل حلو.