Site icon IMLebanon

جزين… فرادة إنتخابية توَّجت نائباً

تفوَّق قضاء جزين على إخوته من الأقضية من حيث نوعيّة العملية الانتخابية وفرادتها، وغرَّد الجزّينيون وحيدين خارج السرب، إذ حظيوا بممارسة حقهم في إنتخاب البلدية والمخاتير إضافة الى تصويتهم النيابي لاختيار خلفٍ للنائب الراحل ميشال حلو. وقد أظهرت النتائج الأولية فوز المرشح أمل ابو زيد بفارق كبير.

على رغم نسبة الاقتراع الضئيلة صباحاً في قضاء جزين، إلّا أنّ أجواء الحماسة التي طبعت الأهالي كانت لافتة، خصوصاً بالنسبة الى المقعد النيابي بعد مسلسل التمديد المتواصل للمجلس النيابي منذ عام 2013. لسان حال الجميع في مدينة جزين وقضائها: «نحن الوحيدون الذين نختار نائباً بالانتخاب، فيما يُحرم جميع اللبنانيين من هذا الحقّ الذي يكفله الدستور».

يتميّز قضاء جزين بأنه القضاء الوحيد ذات الغالبية المسيحيّة في محافظة الجنوب، إذ إنّ الأمير فخر الدين الثاني الكبير إستقصد إسكانَ المسيحيين القادمين من الشمال والجبل في جزين ليشكّلوا حاجزاً فاصلاً بين الشوف مركز الإمارة والقبائل الشيعيّة التي تسكن جبل عامل والتي كانت تهاجم إمارته.

وعلى رغم ما شهده جبل لبنان، الذي كانت جزين جزءاً منه، من تغيّرات إلّا أنها حافظت على وجهها المسيحي إذ يبلغ عدد الناخبين 58349 ناخباً يتوزعون على 122 قلماً، مع وجود نحو 12 ألف ناخب شيعي في القرى والبلدات إضافة الى بعض الناخبين السنّة والدروز.

التنافس بدا واضحاً في الانتخابات النيابية، فالطريق من صيدا في إتجاه جزين إمتلأت بصور المرشحين التي تحجب نظرك عن المساحات الخضراء، تمرّ بالوادي ولبعا وروم وبكاسين، فهنا صور لمرشح «التيار الوطني الحر» أمل أبو زيد المدعوم من «القوات اللبنانية»، وهناك صور للمرشح إبراهيم سمير عازار، وصور أخرى للمرشح قائد الدرك السابق صلاح جبران فيما تغيب صور المرشح الرابع باتريك رزق الله.

استفاقت قرى قضاء جزين باكراً، وبدأ المقترعون بالتوافد الى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصوتهم، فيما كان الجميع يترقب حجم القوة الناخبة التي ستأتي من الجزّينيين القاطنين في بيروت، الذين يؤيّدون في معظمهم «التيار» و»القوات» حسب الماكينات الانتخابية.

تعبر قرى القضاء الهادئة على وقع الحواجز والإنتشار العسكري اللافت لتصل الى مدينة جزين الصاخبة. هنا حواجز من نوع آخر ومعها «تضيع الطاسة» وخصوصاً بالنسبة الى موقف حزب الكتائب اللبنانية ومَن يدعم، ففي حين قيل إنه سيصوّت لأبو زيد في النيابة، ويشارك في لائحة عازار البلدية، كان شبان من الحزب يوزّعون صباحاً إسمَ عازار ويقفون مع ماكينته على مدخل المدينة.

بعد عبور حاجز عازار والكتائب، تصل الى أوّل البلدة حيث إنتشر شباب «القوات» و«التيار» بكثافة على وقع الأغاني الحماسية وتوحيد الشعارات بلدياً ونيابياً. لم يهدأ هذا الحاجز طوال النهار، وكانت مهمته الأساسية توزيع اللوائح وإرشاد الجزّينيين القادمين من خارج البلدة الى مراكز الإقتراع، فيما توزّع مندوبو المرشحين على أقلام الاقتراع بالإضافة الى المندوبين الجوّالين.

فصل بين المعركتين

فصل «التيار الوطني الحر» ماكينته الانتخابية النيابية عن البلدية لأنّ المعركة حساسة ولا مجال للخطأ، فالانتخابات البلدية تخصّ كلّ بلدة ببلدتها، بينما النيابية هي على صعيد كلّ القضاء، وقد انتشر شباب «التيار» بكثافة في شوارع المدينة حيث أُنشئت غرفة العمليات المركزية في الشارع العام.

تميّزت الانتخابات النيابية بترشيح «التيار» شخصية من خارج مدينة جزين خلفاً للحلو، فأبو زيد من بلدة مليخ في أعالي جزين، وتحتاج نحو 30 دقيقة للوصول الى منزله، حيث تسلك طريقاً جبلية ضيقة ومتعرّجة مليئة بالحفر. والجدير ذكره أنّ بلدته محاطة ببلداتٍ شيعية إنقسمت أصواتها، فصوّت «حزب الله» لصالحه بينما إختارت حركة «أمل» التصويت لحليفه عازار.

لازم أبو زيد صباحاً بلدته، وتابع من منزله مجريات العملية الانتخابية، وعندما قابلناه قبل ذهابه للإدلاء بصوته، سألناه في حال فاز هل سيكون أوّل عمل يقوم به توسيع الطريق وشقّ أوتوستراد الى بلدته، فضحك وقال لـ«الجمهورية»: «طبعاً سأسعى، لكننا ننتظر أن تفرج الدولة عن الاعتمادات اللازمة»، لافتاً الى أنّ «مهمة الإنماء تقع على عاتق الدولة وليس الأفراد، و«التيار» يحاول تنمية المنطقة».

يبدي أبو زيد ارتياحه لمسار الانتخابات، «فالتيار يمثّل نحو 50 في المئة من جزين، أضيف اليهم «القوات»، لذلك سنحقّق الرقم المطلوب، فكلّ وحدة مسيحية نشجّعها، و»القوات» قالوا كلمتهم وسيصوّتون معنا». ويضيف: «الكتائب أكدوا أنهم سيصوتون معي على رغم أنّ القوة الأساسية باتت لـ«القوات»، و«حزب الله» أيضاً معي، فيما حركة «أمل» ستعطي حليفها عازار».

تُعتبر مليخ مختلطة بين المسيحيين والشيعة، وقد صوّت أبو زيد قرابة العاشرة والنصف في قلم بلدته، واللافت أنه في أحد أقلام الذكور صوّت 3 مقترعين للبلدية دون النيابة، وصوّت شخص للنيابة دون البلدية، فيما كان الجميع يصوّتون للاثنين معاً في معظم البلدات والمدينة.

ارتفعت نسبة الاقتراع ظهراً الى الثلاثين في المئة خصوصاً في مدينة جزين، حيث هناك ثلاثة مراكز، إثنان منها الثانوية والتكميلية، وقد عانى المواطنون للوصول اليهما بسبب عدم وجود مواقف للسيارات، وهذه كانت شكوى عارمة. أما ماكينات المرشحين فبعضها عمل بصمت وبعضها بضجيح، وكانت «القوات اللبنانية» تحضّ مناصريها على الاقتراع لأنّ المعركة هي معركتها، خصوصاً بعد النداء الذي وجّهه الدكتور سمير جعجع الى الجزّينيين.

نجح «التيار» في توحيد صفوفه بعد الخلافات التي عصفت به في الأشهر الماضية، ونزل موحَّداً الى المعركة، وظهر ذلك جلياً من خلال زيارة أبو زيد قرابة الساعة الأولى والنصف مركز «التيار» الرئيس في المدينة حيث دخل على وقع الأغاني محاطاً بكوادر «التيار»، وحيث كان تشديد على أنّ الجميع قلب واحد وفريق عمل موحّد.

وفي حين دعم النائب السابق إدمون رزق، أبو زيد، قلب ترشيح إبراهيم سمير عازار كلّ الحسابات الجزّينية وخصوصاً عند المرشّح جبران، فمن المعروف أنّ لآل عازار ثقلاً سياسياً في جزين وتاريخاً خدماتياً، وحتى الأسابيع الماضية لم يكن هناك قرار بالترشّح، وبعد الترشّح قُلبت الحسابات، حيث يؤكد عازار لـ«الجمهورية» أنّ «ترشّحه طبيعي من أجل الفوز بالمقعد النيابي»، لافتاً الى أنّ «الاجواء إيجابية وهناك قوى عائلية وحزبية تدعمنا ومتحالفة معنا في البلدية والنيابة». ويشير الى أنّه «لم يصدر موقفٌ رسمي عن حركة «أمل» يدعو الى دعمنا، لكنّ لدينا مناصرين في كلّ الطوائف والبلدات».

إستفزّ ترشيح عازار العميد جبران الذي يقول لـ«الجمهورية» إنّ «نزوله الى المعركة النيابية «فيها إنّا»، فهو بذلك خدم أبو زيد ومعه «التيار» و«القوّات»، حيث سيأخذ أصواتاً من دربي وليس من دربهم».

ويوضح: «ستصبّ أصوات مدينة جزين الى جانب عازار بينما كان سيذهب قسم كبير منها لي، وقد لعب على العصب الجزّيني، على إعتبار أنّ المرشحين هم من خارج المدينة»، مشيراً الى أنه «حتى أصوات حركة «امل» ستذهب له وبالتالي سيفوز مرشّح التيار»، معتبراً أنّ «هناك عمليات رشوة وشراء أصوات يمارسها عازار وأبو زيد، وهذا يظهر جلياً في المدينة وبعض البلدات».

على وقع دعوات الجميع المتكرّرة للنزول الى التصويت، إرتفعت نسبة الإقتراع لتلامس الـ40 في المئة عند الساعة الرابعة بعد الظهر، ولتقفل على عند السابعة مساءً على الـ 53 في المئة.

نجح الجزّينيون في إنتخاب مجالسهم البلدية، إضافة الى نائب جديد في البرلمان، وإكتمل عدد مجلس النوّاب وبات 128 نائباً، مطلوب منهم تشريعات كثيرة، لكنّ العمل الأكبر والاهمّ هو إنتخاب رئيس للجمهورية لتبقى لجزين وللمسيحيين في لبنان والشرق كلمتهم على رأس السلطة… وإلّا ما نفع كلّ الإنتخابات؟