قبل أيام معدودة من جلسة 14 حزيران، والمنتظرة منذ أكثر من ستة أشهر، لا يبدو المشهد اللبناني بجانبه الانتخابي المعطوف على مواقف قواه السياسية، شبيهاً بما يحصل من حوله في الإقليم من تهدئة للجبهات ومساعٍ لتفاهمات عابرة لمسارح الاشتباكات.
هكذا، قد تكون العاصفة التي تسبق الهدوء، هدوء التسويات. وقد تكون الطبول التي تسبق المعركة. في كلا الحالتين، لا يزال الاستحقاق الرئاسي عالقاً في عنق الخلاف الذي اتخذ طابعاً طائفياً، بعد التقاطع المرحلي الذي تمكن المسيحيون من ابتكاره للاتفاق في ما بينهم على ترشيح جهاد أزعور وفي بالهم اقصاء سليمان فرنجية عن الحلبة، وبعد انضمام «اللقاء الديموقراطي» إلى هذا الاصطفاف، ليس من باب فرض مواجهة ضدّ الثنائي الشيعي المتمسك برئيس تيار المردة إنما من باب العمل على تصفير الترشيحات لانطلاق البحث عن مرشح توافقي.
ولهذا يسود الاعتقاد، أنّ جولة الاشتباك الديموقراطي التي ستفرضها المنازلة الانتخابية، ليست سوى مرحلة انتقالية قبل القفز مباشرة إلى مربّع التفاهمات والتسويات التي يريدها كلّ من الاصطفافين الاقليميين، المتمثلين بايران والسعودية. بهذا المعنى، يتمّ رصد المراجعة التي أقدمت عليها الإدارة الفرنسية من خلال تعيين وزير الخارجية السابق جان ايف لودريان موفداً خاصاً إلى لبنان، الذي يفترض أن يكون في بيروت بعد انتهاء جولة الكباش الأولى بين فرنجية وأزعور، ليبني على أساسها.
ويرى المواكبون أنّ تأجيل زيارة لودريان إلى ما بعد انتهاء جلسة يوم 14 حزيران، بعدما كان يفترض حصولها خلال ساعات من إعلان تعيينه، دليل واضح على أنّ الفرنسيين ينتظرون بدورهم ما ستفضي إليه الصندوقة الانتخابية من تكريس لموازين قوى نيابية جديدة، للانطلاق في مبادرتهم الجديدة القائمة على أساس «التوافق الفعّال». ولهذا يعمل كلّ فريق من فريقي المنازلة على استثمار هذه المحطة لمصلحته، ولو أنّ البوانتاج الأولي يعطي الغلبة لأزعور، ولذا يعمل خصومه على تقليص الفارق بين رئيس «المردة» ووزير المال السابق… قدر الامكان.
بوانتاجات أولية
بانتظار»اليوم الكبير»، تعمل الماكينات الانتخابية على وضع البوانتاجات الأولية لكلٍ من المرشحين، وتنشط على خطّ النواب المترددين والمستقلين، وهؤلاء يتخطى عددهم العشرين نائباً، تتوزع مواقفهم بين رافض للمواجهة وللاصطفافات وبين اعتبارات شخصية تملي عليهم البقاء على رصيف انتظار اللحظات الحاسمة… ولهذا لا تزال طبيعة خيارات هؤلاء موضع تكهّنات متناقضة.
بالتوازي، يبدو أنّ أزعور لا يخوض معركته كانتحاري، كما يعتقد بعض داعميه، لا بل هو يأمل مع الوقت، كسر الفيتو الذي يرفعه الثنائي الشيعي بوجهه ليكون مرشحاً توافقياً قادراً على جمع من لم يجتمعوا، خصوصاً وأنّ العمل جار على قدم وساق من جانب داعميه لكي يلامس سكور أصواته عتبة الـ65 صوتاً، ليكون بمثابة ضربة قاضية، تقصي فرنجية من الجولة الأولى وتبعده عن الحلبة.
يقول المواكبون إنّ داعمي أزعور يرفضون المنطق القائل بأنّ تخطي حاصل وزير المال السابق عتبة الـ65 صوتاً هو بمثابة تكريس له كرئيس مع وقف التنفيذ، أو كرئيس غير منتخب، على اعتبار أنّ فرط النصاب في الدورة الثانية، خطوة منتظرة من جانب الثنائي الشيعي اذا ما ارتفع سكور المرشح الخصم في الدورة الأولى بشكل قد يشكل خطراً على مرشحه في الدورة الثانية.
ويضيفون إنّ القوى الداعمة لأزعور، بمن فيهم رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل يضغطون في سبيل تحقيق مرشح التقاطع «السكور الرئاسي»، أي 65 وما بعده، ولو أنّ الأمر قد يزيد من حشر الثنائي الشيعي في الزاوية ومن حراجة موقفه. كلّ ما يريده باسيل هو شطب ترشيح فرنجية من الدورة الأولى. ولهذا يقوم ما بوسعه لتأمين أصوات كلّ «تكتل لبنان القوي» كما وعد «شركاءه الجدد»، ولو أنّ الهدف لم يتحقق إلى الآن.
اذ يؤكد المتابعون، أنّ رئيس «التيار الوطني الحر» لم يتمكن حتى اللحظة من تأمين سوى 10 إلى11 نائباً، فيما البقية تصرّ على التصويت بورقة بيضاء، مع العلم أنّ معطيات الأيام المقبلة قد تتغيّر اذا ما نجح باسيل في ممارسة المزيد من الضغوط التي قد تدفع بعضاً من هؤلاء إلى التراجع عن رأيهم والتصويت لمصلحة أزعور.
ويشير المطلعون إلى أنّ الأجواء التي يبثها مؤيدو وزير المال السابق، من خلال التأكيد أنّ سكور الأخير قد يحلّق باتجاه الـ65 صوتاً، قد لا تدفع الثنائي إلى تطيير الجلسة الأولى، بمعنى الحؤول دون تأمين نصابها، ذلك لأنّ الثنائي يشتغل بدوره على تدعيم موقف حليفه، رئيس «تيار المردة» من خلال تحشيد الأصوات اللازمة التي تثبت بأنّه مرشح جدي محمي بما يكفي من الأصوات النيابية.
بلوك فرنجية
ويلفت هؤلاء إلى أنّ بلوك قوى الثامن من آذار ينطلق من حوالى 45 صوتاً، والأرجح أنّ أصوات نواب الطاشناق الثلاثة ستنضم إليه ليصبح عديده 48 صوتاً، فيما الرهان على أن تصبّ أصوات كتلة الاعتدال لمصلحته، وهو أمر غير مؤكد إلى الآن. ولكن اذا حصل، قد يتجاوز فرنجية عتبة الـ54 صوتاً.
أما المفاجأة فتكمن برأي المتابعين في مجموعة من النواب (أربع أو خمس نواب)، وهؤلاء أودعوا الفريقين الخصمين موقفاً مؤيداً لكل منهما، أي أنهم وعدوا كلّ فريق بالاقتراع لمرشّحه. واذا ما تأكد للثنائي أنّ هؤلاء، أو بعضهم سيعطون فرنجية أصواتهم، فهذا يعني أنّه قد يقارب الـ58، ما قد يجعلها معركة متوازنة بوجه أزعور الذي يفترض بهذه الحالة أن لا يتجاوز الـ60 صوتاً. فيكون الفارق قد تقلّص إلى حدود أصوات معدودة.