تُسّرِع قوى المعارضة خُطاها للعثور على مرشح موحّد في ما بينها، وتلاقي به «التيار الوطني الحر» في منتصف الطريق.. وبعدما فاض النقاش واستفاض البحث، وقع الاختيار على الوزير السابق جهاد أزعور، وكأنّ المعارضة تُسابق المُهلة الزمنية التي حدّدها رئيس مجلس النواب نبيه بري للدعوة إلى جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية في منتصف الشهر المقبل.
بسحرِ ساحرٍ، نزل الوحي السياسي على المعارضة المتناثرة والمترامية الأطراف، وضاقت مساحة الخلاف وانتهت «الشريعة السياسية» واستقرّت على أزعور.. ما يطرح تساؤلات عدة: ما سرّ توقيت إعلان اتفاق المعارضة قبيل أسبوعين من الموعد المفترض لجلسة الانتخاب؟ وهل أزعور مرشح جدّي أم مناورة، وما الهدف؟ ما هي خطة المعارضة؟ وهل يفعلها النائب جبران باسيل ويحرق مراكبه ويقطع «شعرة معاوية» مع «حزب الله»؟.
لا يتوافق المنطق السياسي لمعظم قوى المعارضة مع ترشيحهم ازعور وزير المال السابق في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.. «القوات اللبنانية» بنت خطابها السياسي بعد أحداث 17 تشرين 2019 على تكليف رئيس للحكومة من خارج المنظومة السياسية الفاسدة، وتشكيل حكومة «تكنوقراط» خارج الإصطفافات السياسية، وفق تعبيرها، لانتشال لبنان من الإنهيار المالي والاقتصادي. فكيف توافق على رئيس من قلب المنظومة منذ عقود؟ والأمر ينطبق أيضاً على حزب «الكتائب اللبنانية». أما قوى التغيير، فكانت فرقة «الرجم السياسي» للمنظومة الحاكمة، ودعت إلى تهديم أركان النظام القائم. فكيف تقبل بأزعور الرجل المقرّب من أحد أركان بناء هذه المنظومة؟ أما «التيار الوطني الحر» فـ»لحس» «الإبراء المستحيل» لمحاكمة «الحريرية السياسية» وحكومات السنيورة، فكيف يُقنع جمهوره والرأي العام وتكتله النيابي بإيصال أحد رموز «الحريرية» إلى رئاسة الجمهورية؟.
لم تكن رحلة التنقيب عن مدير «الصندوق» سهلة، بل كانت مليئة بالعِقَد والتعثر.. فـ»القوات اللبنانية» رفضت أزعور لكونه مرشح باسيل الذي يرتبط بعلاقة مع شقيق أزعور، وهو يعمل في التجارة والمقاولات، وفق ما تقول مصادر النواب المستقلّين لـ»الجمهورية»، فيما «قوى التغيير» رفضت أزعور أكثر من مرة، وعاد «الزعيم» الاشتراكي «المستقيل» وليد جنبلاط أدراجه، وأبدى عدم حماسته لانتخاب أزعور في إطلالته الأخيرة.. أكثر من «فيتو» حاصر «مرشح المعارضة» دفعه إلى الإعلان أنّه لن يكون مرشح تحدٍ.
لكن ماذا تهدف المعارضة وباسيل؟ وهل تقاطع المصالح على قطع طريق بعبدا أمام فرنجية هو الدافع إلى هذا الترشيح؟
جملة أسباب دفعت المعارضة للهروب إلى الأمام والإعلان عن دعم أزعور:
ـ التغطية على اتهامها بتطيير النصاب وتعطيل جلسة الانتخاب واستيعاب الضغوط الخارجية، ولاسيما منها الفرنسية الأوروبية ـ السعودية تحت طائلة العقوبات.
ـ الإيحاء للرأي العام بأنّ المعارضة تسعى للاتفاق على مرشح لمواجهة مرشح «حزب الله».
ـ قطع الطريق على فرنجية من خلال وضع أزعور في مواجهته، وللقول للثنائي الشيعي: «أسقطوا مرشحكم لنُسقط مرشحنا وننتقل إلى مرحلة البحث عن مرشح آخر»، علماً أنّ هذا التكتيك التفاوضي جُرِّب مع النائب ميشال معوض ولم ينجح.. كما أنّ مجرد البحث عن بديل لمعوض يعني التراجع عنه، فمن يضمن التراجع عن أزعور إذا انعدمت فرص فوزه؟
ـ تزويد البطريرك الماروني بشارة الراعي بورقة للتفاوض عشية جولته الأوروبية واللقاء مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، لتفادي سؤال الإليزيه: «إذا كنتم ترفضون فرنجية فهاتوا بديلكم».
لكن جعبة ماكرون وفق مطلعين ستفيض بالأسئلة للبطريرك:
ـ هل جمعتم أكثرية الـ 65 صوتاً لأزعور؟
ـ هل تضمنون نصاب انعقاد الجلسة الـ86 صوتاً؟
ـ هل تأكّدتم من جدّية باسيل وتضمنون جميع نواب تكتله بالتصويت لأزعور؟
ـ ماذا عن أصوات الثنائي حركة «أمل» و»حزب الله» الـ 27 الذين يمثلون الميثاقية الشيعية؟
ـ هل ستنتخبون رئيساً يشكّل تحدّياً لـ»حزب الله»؟ وكيف ستحاورونه على الملفات لاحقاً؟ وكيف ستحكمون من دونه في حال لم يشارك في الحكومة المقبلة؟
ـ هل تضمنون أن يدعو بري إلى جلسة في حال تأكّد فوز أزعور؟
ـ ماذا عن التصويت السنّي حيال أزعور في ظلّ رفض تكتل «الاعتدال الوطني»، وفق مصادره لـ»الجمهورية»، التصويت لأزعور، لاسيما وأنّ غالبية نواب التكتل يتحدّرون من «البيت المستقبلي» ويتجّه كثيرون منهم للتصويت لفرنجية؟
ـ لا يختلف الوضع الدرزي عن السنّي، فاستقالة جنبلاط من رئاسة «الحزب التقدمي الاشتراكي» في توقيته، رسالة لتفادي الإحراج مع كافة الأطراف.. فلا يريد استفزاز القوى المسيحية والفريق الأميركي في لبنان بالتصويت لفرنجية، ولا يريد خذلان صديقه اللدود بري واستفزاز «حزب الله»، ما يُفقد أزعور التمثيل الدرزي.
مصدر سياسي مطلع يحذّر من «سيناريو» خطير يجري تحضيره خلال اجتماعات المعارضة لإسقاط مرشح الثنائي بدعم أميركي ـ قطري، ويجري الاتصال بمعظم نواب قوى التغيير والمستقيلّن للضغط لتأمين 65 صوتاً لأزعور والضغط على بري للدعوة إلى جلسة وانتخاب أزعور، ما سيؤدي إلى ردّة فعل سلبية من «الثنائي الشيعي» ومقاطعة للرئيس المقبل والعجز عن تشكيل حكومة بسبب رفض الثنائي المشاركة، الأمر الذي سيُفقد أي حكومة الميثاقية، استناداً إلى مقدمة الدستور «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك».
في المقابل، يؤكّد مصدر واسع الاطلاع في فريق المقاومة لـ»الجمهورية»، أنّ الثنائي متمسك بفرنجية، ولن يخضع للضغوط والابتزاز، وأي جلسة انتخاب سنشارك فيها، وواثقون من نجاح فرنجية في الوقت المناسب. وعند سؤال المصدر عن مرشح «حزب الله» البديل من فرنجية فيما لو تعثّر فوزه، أجاب: «مرشحنا الثاني هو سليمان فرنجية، وسيجلس على كرسي بعبدا في نهاية المعركة».
لا تبدو فرص أزعور واعدة، ولا طريقه إلى بعبدا مفروشة بالورود والرياحين، فالقوى المعارضة وكذلك باسيل، يستخدمون ترشيحه فقط لقطع الطريق على فرنجية، وبعد ذلك يعود الجميع إلى قواعده وخنادقه، تمهيداً لجولة جديدة وللمعركة الحاسمة.