Site icon IMLebanon

ترشيح أزعور: 5 حقائق أساسية

 

في حكاياته التي لا تنتهي، غالباً ما كان الراحل جان عبيد يشير، مراراً وتكراراً، إلى لعبة القدر، ويشرح كيف كانت الأرقام، عام 1960، والانقسامات وكل الحسابات ترجّح تتويج حميد فرنجية رئيساً، فإذا به يسقط مريضاً ليُنتخب شقيقه سليمان فرنجية بعده بإثني عشر عاماً؛ ينتظر المسيحيون بشير الجميل فيأتيهم أمين؛ يذهب رينيه معوض فيأتي نقيضه الياس الهراوي.

كانت هذه مقدمته الثابتة لكل تحليل سياسي يستشرف المستقبل، إذ لا يمكن لأحد أن «يُقدِّر» ما يخبئه القدر. وها هي سيناريوهاته تتكامل: يرحل جان عبيد الذي لم تتعامل القوى المسيحية يوماً بجدية مع ترشيحه رغم صداقته الوطيدة بكل من الرئيسين ميشال عون وأمين الجميل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ليتأمن إجماع مسيحيّ غير مسبوق على ترشيح ابن شقيقته جهاد أزعور. يخرج من نادي المرشحين الرئاسيين رجل عنت له السياسة كل شيء، ليدخل رجل لا تعني له السياسة شيئاً. كانت علاقات عبيد العامة جواز مروره الدائم إلى نادي المرشحين، فيما كان انسحاب أزعور من المشهد اللبناني أكثر من عشر سنوات جواز عبوره إلى النادي نفسه. وإذا كان السباق قد بدأ زغرتاوياً بامتياز، بين ميشال معوض وسليمان فرنجية، فإن موارنة الضنية التي يتحدر منها أزعور كانوا جزءاً لا يتجزأ من النسيج الزغرتاوي اجتماعياً وسكنياً، حتى يكاد يمكن القول إن كرة الرئاسة لا تزال جغرافياً في الملعب نفسه.

 

هكذا يسلك ترشيح مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور طريقه بهدوء لتثبيت نفسه مرشحاً أول، من دون أن يعني ذلك أبداً أن لديه أي حظوظ في ظل الموقف الشيعي المتماسك ضده. وبعيداً عما يتردد عن الرجل هنا وهناك، يمكن التوقف عند خمس نقاط أساسية:
أولاً، لم يسبق أن حاز مرشح إلى رئاسة الجمهورية إجماعاً مسيحيّاً كذاك الذي يتمتع به أزعور اليوم. بعد اتفاق معراب، توافق العونيون والقوات على ترشيح العماد ميشال عون، فيما بقي حزبا الكتائب والأحرار والمستقلون على معارضتهم لانتخابه، ونأت البطريركية المارونية بنفسها. أما اليوم، فينطلق أزعور من تأييد البطريركية المارونية أولاً، الأحزاب المسيحية التقليدية الثلاثة (قوات، تيار، كتائب) ثانياً، والنواب المسيحيين الموزعين بين «تغييريين» و«مستقلين» ثالثاً. علماً أن «الاتصالات الجدية» ستبدأ للتوّ لتثبيت النواب داخل كتلهم، ومع كل من حزب الطاشناق والنواب سجيع عطية وميشال ضاهر وكميل شمعون وغيرهم. كما أن بعض نواب كتلة الاعتدال أوصلوا رسائل واضحة وحاسمة في اليومين الماضيين بأن التزامات النائب وليد البعريني والنائب السابق هادي حبيش لا تعنيهم، وهم يأملون في أن يلتقوا أزعور قريباً.
هذا في الإطار المحليّ، فيما عدم المبادرة سريعاً من الطرف الآخر، سيسمح للأميركيين والسعوديين بالدخول الجديّ والسريع على خطوط أزعور – وليد جنبلاط وأزعور – «تغييريين» وأزعور – «مستقلين».

 

ثانياً، من اليوم وصاعداً، سيكون هناك مرشحان لرئاسة الجمهورية: أحدهما مدعوم من ثنائي أمل وحزب الله، والثاني مدعوم من غالبية القوى المسيحية، مع كرة ثلج يمكن أن تكبر، تماماً كما حصل في «أزمة الساعة»، لتظهير انقسام مسيحي – شيعي أفقي وعمودي أول من نوعه. فحتى في عام 2005، قبل تفاهم مار مخايل، كان هناك انقسام مسيحي – إسلامي مرة وسني – شيعي مرات، لكن لم يسبق أن كان التمترس مسيحياً – شيعياً. أما اليوم، وفي ظل انسحاب السنة والدروز من المشهد، بات يمكن اختزال الصورة بأنها مشكلة مسيحية – شيعية، في وقت يسرح المحرضون ويمرحون على مواقع التواصل الاجتماعي والإذاعات والتلفزيونات، وتنهمر المواقف السياسية والصحافية المتسرعة والغبية.
ثالثاً، يمكن لبعض الأفرقاء استخدام علاقة أزعور التاريخية برئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة للتخفيف من اندفاعة المناصرين للأحزاب المسيحية في حشد الدعم له. لكن القسم الأكبر من الائتلاف المؤيد للرجل (قوات، كتائب، «تغييريون») لا مشكلة لديه مع السنيورة أو مع وزير مالية السنيورة. وإذا كانت تهمة القرب من السنيورة تحرج العونيين وقد تسلّي بعض الإعلاميين والمغردين على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنها لا تحرج أبداً سائر المكوّنات الداعمة لأزعور، وتأثيرها السياسي صفر، تماماً كتأثير الحملات على فرنجية. من يناصر «التغييريين» يمكن أن يحتج – ربما – على ترشيح أزعور، أما من يناصر الرئيس نبيه بري ولا يمانع تولي الرئيس نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة، فلا يمكنه جعل ترشيح «وزير مالية السنيورة» تهمة، إلا إذا كان يفترض بأن السنيورة حكم وحده في تلك المرحلة، أو أن هناك فارقاً بين ميقاتي والسنيورة. علماً أن وزارة المال ذهبت في حكومة السنيورة إلى الطائفة المارونية، عندما زار وفد من قوى 14 آذار بكركي لعرض أسماء على البطريرك صفير بوصفه شريكاً أساسياً في انتفاضة 2005، اختار من بينها أزعور، وكان الرئيس بري شريكاً أساسياً في مباركة التوزير لحرصه على تعويض صديقه جان عبيد بعيد خسارته للنيابة.

 

رابعاً، في الأيام القليلة المقبلة، بعد تثبيت ترشيح أزعور، سيكون العنوان الاقتصادي – المعيشي جزءاً أwساسياً من المعركة، إلى جانب تأجيج الخلاف المسيحي – الشيعي. سيقول المؤيدون لأزعور إنهم اختاروا الأكفأ (بحكم منصبه في صندوق النقد الدولي) لإخراج اللبنانيين من أزمتهم، فيما لا يضع المؤيدون لفرنجية الإنقاذ الاقتصادي على أجندتهم. وعاجلاً أم آجلاً، سيتم تظهير الانقسام بين الفريقين: أحدهما يقول إن أولويته إخراج اللبنانيين من أزمتهم والثاني يقول إن أولويته حماية ظهر المقاومة. علماً أن عدداً كبيراً من رجال الأعمال النافذين والمؤثرين مالياً وإعلامياً يجدون أنفسهم معنيين جداً بمعركة أزعور.
خامساً، مع التصعيد المسيحي – الشيعي وتظهير «المشروع الاقتصادي» في وجه «المشروع السياسي»، وتحييد الدور الفرنسي، وحسم المؤيدين لأزعور بتقدمهم بما لا يقل عن عشرة أصوات على فرنجية، ستتواصل الدعوات التي بدأت قبل أسابيع إلى رئيس المجلس بالدعوة إلى جلسة انتخابية على وقع التهديد الأوروبي – الأميركيّ الجديّ بالعقوبات (وهو ما بدأ مساء أمس)، ما يشير إلى أن المعركة السياسية ستتواصل، لكن بأدوات وتموضعات مختلفة للأفرقاء السياسيين.

 

وإذا كان الفريق الداعم لفرنجية قد شعر لأسابيع بالتقدم نتيجة الانكفاء الأميركي والتأييد الفرنسي والضبابية السعودية وتقدم فرنجية في موازين القوى المحلية، من دون أن يتمكن مع ذلك من تسجيل الهدف المنشود، فإن الأجوبة لا تزال مبهمة اليوم في ما يتعلق بالأسئلة عن مصير هذا الهدف إذا كان أزعور قد تقدم على فرنجية في موازين القوى المحلية بموازاة التحييد الفرنسي وسقوط قناع الحياد السعودي – الأميركي.