شهدت الساحة اللبنانية في الآونة الاخيرة تطوراً نوعياً تمثل بـ”تقاطع” رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل مع حزبي «القوات اللبنانية» و»الكتائب اللبنانية» وبعض المستقلّين، على اسم الوزير السابق جهاد ازعور مرشحاً لرئاسة الجمهورية، وقد إعتُبر هذا الامر من قبيل خلق جو مسيحي من شأنه الإطاحة بترشيح رئيس تيار»المردة» سليمان فرنجية، وبالتالي حصد جو دولي مؤيّد لأزعور وإجبار «الثنائي الشيعي» على السير به.
إلّا انّ هذا الامر، في رأي مواكبين للاستحقاق الرئاسي، لن يُكتب له النجاح على رغم دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى عقد جلسة انتخابية في 14 حزيران الجاري، وذلك للأسباب الآتية:
اولاً- بادئ ذي بدء، لا بدّ من الإشارة إلى انّ ازعور يواجه معضلة كبيرة تتمثل في انّه لا يمكنه ممارسة نشاط سياسي كمرشح رئاسي وفق قوانين صندوق النقد الدولي، وبالتالي صحيح انّه يتلطّى خلف فكرة انّ الدستور اللبناني لا يفرض على المرشح الرئاسي ان يتقدّم بطلب ترشيح رسمي، إلّا انّ المعلومات تفيد انّ ازعور يتجنّب إجراء لقاءات واسعة مع الكتل النيابية لطرح ترشيحه، إذ انّ هذا الامر يُعتبر من قبيل الترشح لرئاسة الجمهورية، وهذا ما يمكن ان يفيد النائب نبيل بدر الذي صرّح في الامس، أنّه ينتظر بفارغ الصبر ان يجتمع ازعور مع التكتل الذي ينتمي اليه ليعرض برنامجه الرئاسي.
وعلى صعيد آخر، ترى مؤسسات حقوقية في لبنان، انّ في إمكانها توجيه أسئلة إلى صندوق النقد الدولي لتستفسر منه عن حق ازعور في الترشح قبل ان يقدّم استقالته، إذ انّ من غير المعقول ان يلعب ازعور دورين، دور المفاوِض (بكسر الواو) ومن ثم دور المفاوَض (بفتح الواو)، اي انّ هناك تضارباً في المصالح بين لبنان كدولة منهارة اقتصادياً وصندوق النقد الدولي الذي يفرض شروطاً على لبنان بواسطة ازعور نفسه. فكيف يمكن التوفيق بين ان يتحوّل المفاوض رئيساً لجمهورية الدولة المفاوضة المنهارة؟ اي باختصار، انّ ازعور يقول: «انتخبوني ومن ثم استقيل».
كما ذهب البعض إلى تشبيه حالة ازعور بحالة قائد الجيش العماد جوزف عون الذي يمنعه الدستور من الترشح قبل الاستقالة من منصبه قبل سنتين من موعد الانتخابات الرئاسية، وذلك لتضارب المصالح ومنعاً لصرف النفوذ بما يخدم الترشيح، إذ انّ الفلسفة الدستورية التي أرادها المشترع لموظفي الفئة الاولى تنسحب حتماً على أي موظف حتى ولو كان ضمن المنظمات الدولية التي تُعنى بعلاقات الدول بعضها مع بعض.
ثانياً- لم يظهر حتى الآن أي موقف لأزعور حول قبوله الترشح باسم المعارضة، وهذا إنّ دلّ على شيء فإنما يدلّ على حالة التخبّط التي يعيشها. فإذا به ينشرح لكون المعارضة المسيحية قد أجمعت عليه، وبالتالي اصبح مرشحاً رئاسياً فاعلاً ليصبح «حزاماً ناسفاً» يُستعمل لتفجير ترشيح فرنجية، وهذا ما على ازعور ان يدركه ويتنبّه اليه ويقتنع به، كون «الثنائي الشيعي» قد أبلغ اليه رفض ترشيحه مرات عدة، وهو يحاول الآن طرق الأبواب من دون جواب.
ثالثاً- بات من المؤكّد انّ ترشيح ازعور لن يصل إلى خواتيمه بانتخابه رئيساً للجمهورية. إذ انّ مرشِحيه قد «تقاطعوا» عليه من دون أي اقتناع، بدليل ما عبّر عنه باسيل بالقول: «إننا تقاطعنا على الاسم دون البرنامج»، ما يعني انّ اتفاق المعارضة هو «على القطعة»، اي هو على مرحلة أولى تتمثل بالإطاحة بترشيح فرنجية ومن ثم يتفرّق «المتقاطعون» كلّ إلى مصلحته الخاصة، فيذهب باسيل إلى «الثنائي الشيعي» عارضاً عصارة افكاره، ويذهب رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع إلى السعودية عارضاً مقاربة الملف الرئاسي من زاوية اخرى. فيما يذهب بقية المعارضين كل في سبيله.
رابعاً- انّ كل فريق من المعارضة لديه برنامج معيّن، أو نظرة معينة، فـ»القوات اللبنانية» لا تثق بأزعور الذي يُروى انّه قد تعهّد خطياً لباسيل وبموجب مستند، بعدد من الامور، ولا سيما منها عدد الوزراء ونوعياتهم، والمناصب الإدارية، وان تكون له الكلمة الاولى في تعيين حاكم مصرف لبنان وقائد الجيش. على انّ «القوات اللبنانية» ليست بعيدة من الخيار الاميركي المتمثل بإيصال قائد الجيش الذي يعتبره جعجع مشروعاً صدامياً مع «حزب الله».
اما حزب «الكتائب اللبنانية» فهو تائه، يعيش احلاماً يرى انّ تحقيقها يقتضي القضاء على «حزب الله» أولاً، وسقوط النظام الإيراني ثانياً، فهو يلعب دوراً دعائمياً لمشروعي جعجع وباسيل من دون ان يدري.
اما في ما يختص بالنواب المستقلّين المنضوين في صفوف المعارضة، فإنّ النائب نعمت افرام يرى انّ فرص كل من ازعور وفرنجية «قد سقطت»، وانّه على قاب قوسين من الاتفاق عليه. ومن هنا فإنّه لا يرى مصلحة له في الاقتراع لأزعور.
في حين انّ النائب ميشال ضاهر مرشحه الأساسي هو قائد الجيش، وبالتالي لا مصلحة له في بلوغ ازعور الأرقام الستينية.
وفي ما يتعلق بكتلة «تجدد»، فإنّ حركة الوزيرة السابقة ريا الحسن الداعمة لمشروع ازعور والقائمة على ثنائية «ازعور رئيساً للجمهورية والحسن لرئاسة الحكومة»، فإنّها تستفز النائب فؤاد مخزومي الذي يعتبر نفسه مشروع رئيس حكومة، وهو يرى انّ حظوظه لرئاسة الحكومة تقتضي ان يكون رئيس الجمهورية من فريق 8 آذار، أي بمعنى آخر، انّ حظوظ مخزومي لبلوغ رئاسة الحكومة هي في ان يكون فرنجية رئيساً للجمهورية.
اما لجهة كتلة «الاعتدال الوطني» فإنّها لا تتقاطع ابداً مع اي مشروع يرعاه باسيل، إذ انّ الطائفة السنّية عموماً، تعتبر انّ باسيل هو خصم اساسي على الساحة الداخلية اللبنانية، وقد سعى طوال عهد عمه الرئيس ميشال عون الى تقليص او تقويض صلاحيات رئيس الحكومة.
خامساً- يعوّل داعمو ازعور على موقف ايجابي لـ»اللقاء الديموقراطي»، الّا انّ هذا «اللقاء» رغم أخذه الواقع المسيحي في الاعتبار، فإنّه لن يجاسر لمواجهة «الثنائي الشيعي» بهذه الحدّة، خصوصاً مع الصعود السياسي للرئيس السوري بشار الاسد في المنطقة.
سادساً- انّ «الثنائي الشيعي» يرى انّ كل ما يحصل هو مناورة لإسقاط ترشيح فرنجية كمرحلة اولى، وبالتالي الذهاب إلى تطويق «حزب الله» كمرحلة ثانية. ويعتبر هذا الثنائي، انّ الهدف من إسقاط فرنجية هو الاستيلاء على السلطة التنفيذية بكافة مفاصلها، بمعنى انّ رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان، جميعها تدور في الفلك الغربي، وهذا يشكّل بالنسبة اليه حالة من التطويق المبرمج والذي لا يسمح به «حتى لو نزلت السماء الى الارض». علماً انّ اجواء «الثنائي» تستغرب أشد الاستغراب حالة الإطباق على فرنجية، على الرغم من انّه مرشح طبيعي ويتمتع بحيثية مسيحية كبيرة، وبالتالي فإنّ ايصالها عام 2016 للعماد ميشال عون ودعمها ترشيح فرنجية في 2023 هو خير دليل على مودتها للمسيحيين، إذ انّها تسعى إلى ايصال زعماء مسيحيين وليس موظفين كما فعل البعض عبر التاريخ.
سابعاً- انّ زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لفرنسا لم تكن موفقة كما يروّج البعض، فقد حمل في جعبته اسم مرشح واحد، أي انّه كان يختصر الحالة الديموقراطية في لبنان، معتبراً انّه يكفي ان يتفق المسيحيون على اسم لكي يصبح رئيساً للجمهورية، ضارباً عرض الحائط الرؤية الوطنية لهذا الاستحقاق.
ثامناً- انّ المشهد الرئاسي بعد ترشيح ازعور يُختَصَر بالآتي: هناك مرشح طائفي اسمه جهاد ازعور يحظى بغالبية مسيحية وبأقلية اسلامية، وهناك مرشح وطني هو سليمان فرنجية يحظى بدعم وطني لترشّحه يقارب الـ45 نائباً مسلماً وعدد مقبول من النواب المسيحيين، وهذا ما يؤشر إلى انّ المبادرة الفرنسية ستبقى قائمة وقوامها: فرنجية ـ سلام، وهي تنتظر تحرّكاً خارجياً ينهي فترة الوقت الضائع التي يمرّ فيها لبنان، والتي يعتبر فيها البعض انّه قد فرض واقعاً جديداً ليتبيّن لاحقاً انّه تعبئة لوقت ضائع.