خلال متابعتي جلسة الثقة بالحكومة المستقيلة توقفت عند الكلمة الاستثنائية التي ألقاها النائب جهاد الصمد يعلل فيها أسباب حجبه الثقة بالحكومة والتي اختتمها بقول للإمام علي يخاطب فيه أهل الانكفاء والتردد حين قال: (لم تنصروا الباطل ولكنكم خذلتم الحق)، ثم توقفت مرة ثانية عند موقف نائب المنية الضنية خلال الاستشارات النيابية بعد كارثة تفجير ٤ آب والتي تقاطرت خلالها الكتل النيابية بقوة على تسمية شخصيات افتراضية لتشكيل حكومة واقعية إنقاذيه ومصيرية، في حين تميز النائب جهاد الصمد بتسمية الأستاذ الفضل شلق لرئاسة الحكومة مع كل ما تحمله هذه التسمية من رمزية واقعية رفيعة و تجربة وطنية عميقة، وخلال الاستشارات النيابية الأخيرة توقفت أيضا عند العرض السياسي الوطني الدقيق والواضح الذي ادلى به جهاد الصمد وسمى بنتيجته الرئيس سعد الحريري .
جهاد الصمد خلال هذه المحطات الثلاث كان النائب الطبيعي والمميز باحترام المهمة السياسية المناطة بالنائب خلال الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة العتيدة، والتي تحتم على النواب تحديد الظرف الوطني السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتحدياته وضروراته، والتي على أساسها يتم اختيار الشخصية الأنسب لتحمل المسؤولية على قاعدة المسائلة والمحاسبة وأن النائب بعد انتخابه يمثل الأمة اللبنانية جمعاء، وهذا ما قام به النائب الصمد بكل موضوعية ومسؤولية وفهم واضح لما تواجهه البلاد من ويلات ودمار وانقسامات وتداعيات وانهيارات مالية واقتصادية اجتماعية كارثية .
لا أستطيع أن أتجاهل تلك المحطات الثلاث المميزة للنائب جهاد الصمد بعد متابعتي يوم الخميس٢٢ تشرين الأول الاستشارات النيابية الأخيرة لتسمية رئيس الحكومة العتيدة، ولبنان يعيش حالة أشبه بالمجزرة الوطنية على خطوط التماس السلطوية، والتي قد بلغت كلفتها الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والصحية والتربوية والعمرانية أضعاف أضعاف الأكلاف الباهظة أيام الحرب العدمية وخطوط التماس الحربية الطائفية والمذهبية البغيضة.
شكلت مبادرة جهاد الصمد السياسية الشجاعة بارقة امل بولادة مجتمع سياسي موحد تنافسي محرر من العدائية والثأرية القبلية، مجتمع سياسي متماسك بأهدافه وآلامه وآماله، موضوعي واقعي يعرف كيف يوائم بين إمكانياته وتحدياته وأهدافه، مجتمع سياسي تعلم من تجاربه الطويلة والمريرة وويلاتها وانقساماتها وأوهامها وولاءاتها الخارجية واحتلالاتها ونزاعاتها ومليشياتها وانتداباتها ووصاياتها، وتعلم من إذلال فقدان المناعة الوطنية وتفكك الدولة ومؤسساتها وانعدام السيادة الوطنية الفردية والمجتمعية والحدودية.
موقف جهاد الصمد شكل صدمة لأصحاب الوصايات المذهبية ورموزها الوهمية ووكان بمثابة دعوة للنماذج المبدئية والوطنية بالعود الى الوطن من الولاءات الخارجية وكان موقفه رسالة لأصحاب الطهورية النموذجية التمثيلية والأيدي النظيفة المنكفئة بالدعوة الى تحمل المسؤولية الوطنية الجامعة في رفع قذارات وأنقاض السياسات الكيدية من أمام مستقبل الأجيال القاتم والمجهول المصير مع طاعون الأحقاد الطائفية والمذهبية، وموقف النائب الصمد كان دعوة جريئة إلى التخلص من هلوسات انفصام الشخصية السياسية والوطنية وعدم القدرة على التمييز بين الحاضر والماضي وبين المصلحة الوطنية والأهواء الشخصية.
استطاع النائب الطبيعي جهاد الصمد أن يشارك في جعل الاستشارات النيابية عملية سياسية استراتيجية طبيعية، كما حددها بدقة وشرحها ودافع عنها دولة نائب الرئيس أيلي الفرزلي، لتشكل قاطرة للنواب الطبيعيين كما جسدها النائب نهاد المشنوق، وعبر عنها نائب زحلة المتفرد ميشال ضاهر، والنائب المستقل جان طالوزيان ونواب الحزب القومي اسعد حردان وسليم سعادة والنائب عدنان طرابلسي، والذين جاءت تسمياتهم انسيابية ومنسجمة مع إرادة الكتل البرلمانية الطبيعية الهادفة إلى تكوين إرادة وطنية إنقاذيه جامعة وحوارية غير جدلية في هذه الظروف المصيرية الغير طبيعية.