هنالك خصائص جديدة لأسواق العمل. انتهت الشروط التقليدية الالزامية أي التواجد في المكتب من التاسعة الى الخامسة. هنالك العديد من المتغيرات المتأقلمة مع العرض والطلب والتطور التكنولوجي. الحلول لمشكلة البطالة لن تتم عبر سياسات العمل التقليدية بقواعدها وقوانينها وظروفها. يجب توسيع الهوامش مما يسمح باستيعاب عارضي العمل الذي يزداد عددهم بفضل دخول المرأة بقوة وكفاءة كما بسبب الحاجة الى العمل من قبل المسنين أو من الذين كانوا يتقاعدون باكرا.
العرض في سوق العمل يختلف كليا عن السنوات السابقة اذ نرى أكثر فأكثر رجال ونساء في أعمار تفوق الـ55 سنة يرغبون في الدخول أو الاستمرار في العمل. هنالك أيضا من يعرض خدماته أكثر فأكثر من المنزل أو لفترات محددة أو لعدد ساعات معين في الاسٍبوع. من ناحية الطلب هنالك طلب واضح متزايد لأعمار 55+ لأسباب مرتبطة بالخبرة والانتاجية والحاجة. هنالك أيضا طلب لعاملين من المنزل بسبب عاملي الانتاجية والتكلفة والظروف.
في أعمار ما يفوق الـ55 سنة، هنالك رغبة واضحة عند الأشخاص أنفسهم في البقاء حتى 64 على الأقل مقابل رغبة مماثلة من الشركات. نسبة العمالة للـ 55+ ترتفع دوليا مما يخلق فرصا كبيرة للشركات لتنويع الموظفين والحفاظ على أشخاص نجحوا في ادائهم. هنالك عاملان سلبيان مترافقان لهذه الشركات وهي أولا التكلفة أي معدل أجور الكبار أعلى من الداخلين الى السوق. ثانيا، تخاف الشركات من أن استمرار كبار السن في العمل يقفل الباب أمام الشباب والشابات المؤهلين تكنولوجيا أكثر. لذا المطلوب أن يكون لكل شركة هيكلية مناسبة للعمالة.
عالميا، معدل أعمار العمالة في الشركات والقطاع العام ترتفع لأسباب مختلفة منها أن الانسان يعيش اليوم أكثر وصحته أفضل. ارتفع العمر المرتقب في كل الدول بسبب التطور الصحي والغذائي كما بفضل اعتماد الانسان للرياضة. انسان اليوم متعلم أكثر كما أن تدني نسب الانجاب عالميا خفف مصدر العرض الجديد. هنالك الحاجة المادية وتكلفة المعيشة وضعف الادخار التي تدفع الانسان الى البقاء طويلا في سوق العمل. هنالك سبب آخر مهم في الدول الناشئة والنامية وهو عدم وجود البنية التحتية المناسبة للمسنين أي الترفيهية والصحية. يبقى العمل أفضل.
في الدول المتقدمة والصناعية، هنالك بنية تحتية واجتماعية مناسبة للمسن. يجتمع المتقاعدون في نواد متخصصة فيها ما يهمهم من ندوات وأفلام ورياضة وترفيه مدروس. التقاعد ليس جريمة أو عقاب بل يجب أن يكون جزءا أساسيا مطلوبا من حياة الانسان. هنالك مخاطر للشركات التي توظف العديد من المسنين تكمن خاصة في امكانية التقاعد مرة واحدة. التشكيلة الوظائفية المتنوعة مهمة جدا.
في الولايات المتحدة مثلا، نسبة العاملين فوق 55 سنة من مجموع اليد العاملة ارتفعت من 12,4% في 1998 الى 18% في 2008 الى 23,1% في 2018 ومن الممكن أن تصل الى 25,2% في 2028. هنالك واقع وهو أن عدد المواطنين فوق 55 من العمر يرتفع أكثر من عدد ما بين 16 و24 وما بين 25 و54. كما أن نسبة العاملين ضمن مجموعة 55 – 64 السكانية ارتفعت من 59% الى 65% بين سنتي 1998 و 2018 بينما لم تكن الزيادة الا من 18% الى 27% لمجموعة 65 – 74 سنة.
اذا كانت عوامل العرض واضحة، ما هي الاسباب التي تدفع الشركات الى توظيف أعمار 55+؟ أهمها الرغبة في توافر تشكيلة عمالية متنوعة في أعمارها وعلومها وحيويتها وخبرتها. هنالك الانتاجية المبنية على الخبرة والممارسة الطويلة التي تبرر أجورا أعلى. هنالك الاستجابة الى ما يفضله الزبائن وهو بقاء الموظف الذين يعرفونه ويتعاملون معه منذ سنوات وهذا مهم في الدول النامية. هنالك وظائف ادارية أو تقنية ترتكز على وجود متخصصين يملكون الخبرة والمؤهلات. أما التطور التكنولوجي فيصب في صالح الشباب، لكنه يدفع في نفس الوقت المسنين الى متابعة التعليم والتدريب خاصة التكنولوجي.
في العديد من الوظائف الشباب يكملون المسنين لذا التعاون مطلوب. في وظائف أخرى يمكن تبادل العمل بين الشاب والمسن مما يكون مفيدا عند المرض أو الاجازة أو ترك العمل. الاستثمار في العمال والموظفين مهم لكل الأعمار أي التدريب والتعليم. الأكيد أيضا أن المسنين يبقون في أعمالهم مدة أطول لأسباب مرتبطة بالطموح والمغامرة اللذان يخفان مع تقدم العمر. في الاحصائيات الأميركية، نسبة الذين يغيرون وظائفهن مرتفعة للشباب بين 16 و19 من العمر أي 73% للذكور و75% للإناث. تصل النسبة الى 8% للذكور و9% للإناث لأعمار 65 وما فوق. نسبة المسنين العاملين تختلف كليا من قطاع لآخر أي ترتفع في العقاري (33%) والمحاماة وتخف كثيرا في الصناعة والأشغال والانشاء والتكنولوجيا (16%).
لا تقتصر تغيرات أسواق العمل على أعمار المشاركين وانما تصل الى طبيعة العقد بين الشركة والموظف. تتكل الشركات اليوم أكثر فأكثر على عقود مع أشخاص غير موظفين لفترات محددة ولمهمات معينة. هنالك فارق كبير بين العقود في الشروط والتكلفة والمنافع وكيفية الدفع وواجبات الفريقين كما الأطر القانونية. العلاقة الناجحة هي دائما التي ترضي الفريقين مما يعزز الانتاجية والاستمرارية.
في العقود، يمكن أن يحصل الموظف على أجر شهري أو أسبوعي أو تبعا لساعات العمل التي حققها بالفعل. مكان العمل مهم جدا أي في المكتب أو المنزل، عن قرب أو بعد وكيف يمكن تقييم الانتاجية أو مراقبة العمل خلال أيام الاسبوع أو في العطل. طريقة العمل وشروطه تختلف نسبة لطبيعة العمل وكفاءة الموظف وخبرته وعلومه. يجب دراسة كل عقد بالنسبة لتأثيره على انتاجية الشركة ومصلحة الموظف الطويلة الأمد.
كل الأمور والوقائع تكون مؤثرة خاصة عند الانتقال من وظيفة الى أخرى، أهمها شهادات الزملاء والرؤساء والمديرين والزبائن. لا يمكن انكار التاريخ والماضي، فهما مؤثران على الحاضر والمستقبل بكل المزايا الايجابية والسلبية. الانتاجية والأخلاق، على عكس ما يعتقد البعض، يبقيان العاملان الاساسيان في الاستمرارية والنجاح.
في الدول العربية، لا شك أن دول الخليج تتقدم في طبيعة ومحتوى عقود العمل. هنالك فارق بين عقود العمال وعقود الموظفين تبعا للقطاعات والمؤهلات. هذا يفسر ارتفاع الانتاجية وتحول القطاعات بسرعة نحو التكنولوجيا المتقدمة بما فيها علوم الفضاء. في الدول العربية الأخرى، للأسف تمنع الحروب الداخلية التطور اذ يهتم الانسان بأبسط الحقوق المعيشية وينسى الشروط الضرورية للتغيير والتقدم.