IMLebanon

بايدن و”الضجر” من لبنان

 

يدافع مناصرو الرئيس جو بايدن عن سياسته في الشرق الأوسط، ولبنان ضمناً، ويقولون: «ما الذي قدَّمته إدارة الرئيس دونالد ترامب سوى التصعيد الفارغ الذي أوصَل إلى الخراب والمآزق أينما كان؟ فانتظِروا لترَوا أنّ خيارات بايدن هي الأنسب لدول المنطقة والأكثر واقعية».

ليس سِرّاً أنّ القلق يساور حلفاء واشنطن الإقليميين منذ أن وصل بايدن إلى البيت الأبيض. فهو، منذ اللحظة الأولى، يمضي بتنفيذ الفكرة التي أصرَّ عليها منذ أن كان نائباً للرئيس باراك أوباما، وأعاد تأكيدها خلال حملته الانتخابية، أي انسحاب الولايات المتحدة العسكري من الشرق الأوسط.

 

وهذا الخيار بدأت ترجمته عملياً: الانسحاب- مع القوات الحليفة- من أفغانستان، الانتقال في العراق من دور الحماية والدعم العسكري إلى الدور التدريبي والاستشاري، وتَجنّب المزيد من التورّط العسكري في سوريا.

 

في هذه الأزمات كلّها، هناك استحقاقات سياسية حسّاسة جداً في الانتظار. فالانسحابات الأميركية قد تعيد أزمات الشرق الأوسط خطوات إلى الوراء: في أفغانستان، تتحفّز «طالبان» للعودة بقوة إلى الواجهة، ما يثير المخاوف من عودة الحرب. وفي العراق، يَلوح تهديدُ «داعش» باستمرار. وفي سوريا، سيستفيد النظام بدعمٍ من الروس والإيرانيين للإمعان في التحدّي.

 

وتبلّغ حلفاء واشنطن الإقليميون رسائل واضحة مفادها أنّ الدعم الأميركي لهم لن يبقى مطلَقاً كما كان في عهد ترامب، وهذا ما أثار فيهم القلق.

– الحلفاء السعوديون تبلَّغوا ضرورة ضبط جموحهم العسكري في اليمن وحلّ النزاع بالتفاوض.

– حكومة بنيامين نتنياهو، قبل أن ترحل، لمست أنّ الدعم المطلق قد جرت فَرملته.

– الحليف التركي رجب طيب أردوغان تبلّغ أن طموحاته التوسّعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم تعُد تحظى بالتغطية.

 

خلاصة الفكرة، وفق الخبراء في واشنطن، هي أنّ بايدن مقتنع بأن انغماس واشنطن العسكري في حروب الشرق الأوسط يتسبَّب بإعاقة قدراتها في مسائل دولية أخرى، لا سيما لجهة التصدّي للتحديات الصينية المتزايدة ورغبات فلاديمر بوتين التوسّعية.

 

فوق ذلك، يعتقد بايدن أنّ نهج ترامب أربَك واشنطن وأضعفَها في المواجهة الأساسية التي تخوضها في الشرق الأوسط، أي ملف إيران النووي. فلا مجال لحسم هذه المواجهة عسكرياً. وسيكون الأجدى والأقل كلفة إنهاؤها في أسرع ما يمكن، وبالطرق التفاوضية. فعلى الأقل، في هذه الحال، سيعود الحلفاء الأوروبيون إلى الوقوف مع واشنطن في جبهة واحدة.

 

المتابعون يعتقدون أنّ خوف الحلفاء من أن يتركهم بايدن «في منتصف الطريق» هو الذي يدفعهم، في الموازاة، إلى انتهاج سياسات جديدة، بل انقلابية. فالخطوط المفتوحة، منذ وصول بايدن، بين المملكة العربية والسعودية وإيران، بوساطة عراقية، يمكن وضعها في هذا الإطار. وكذلك، التواصل بين الرياض ودمشق.

 

في هذا الخضمّ، يبرز السؤال عن لبنان: هل يريد الأميركيون أن ينسحبوا منه أيضاً؟ وهل تعبوا وضجروا منه، وهل يمكن أن يتركوه لمصيره؟

 

المتابعون لنهج بايدن، ولا سيما اللبنانيون الذين هم على مقربة منه أو من الحزب الديموقراطي، يقولون إنهم مطمئنون. وفي تقديرهم أنّ الرجل لن يفعل ما يُسيء إلى مصالح لبنان، وأنه سينسِّق الخطوات مع الأوروبيين أصدقاء لبنان التقليديين، لمنع وصوله إلى الأسوأ.

 

معنى ذلك أنّ بايدن أوقَف نهج «الضغط الأقصى» الذي اعتمده السلف، والذي كان مبنياً على فكرة «متطرّفة» مفادها أنّ زيادة الضغط هي معبر حتمي لإسقاط الدور الإيراني في لبنان، ولو أودى ذلك بلبنان إلى نقطة تقارب الانهيار الشامل.

 

فكرة بايدن أقرب إلى فكرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القائلة بتجنيب لبنان مخاطر الانهيار تحت وطأة الكباش الأميركي – الإيراني. فعاجلاً أو آجلاً، سيتوصل الطرفان إلى تسوية، وسيستفيد منها لبنان لإبرام تسوية سياسية داخلية. ولكن، حتى ذلك الحين، يجب إبقاء لبنان صامداً بالحدّ الأدنى وقادراً على مواكبة التسويات.

 

اليوم، توحي شبكة المفاوضات المتداخلة (أميركياً، إيرانياً، سعودياً، إسرائيلياً، أوروبياً، روسياً وتركياً) بأنّ هناك فُرصاً للدخول في مناخات تسووية تنعكس إيجاباً على لبنان. لكنّ الفشل وارد أيضاً، أو على الأقل المراوحة إلى أمدٍ طويل بلا نتائج.

 

في هذه الحال، إذا بقيت إيران مُمسكة بأوراقها الإقليمية وبدأت تستعد لتدعيم نفوذها في الاستحقاقات الآتية في لبنان، هل سيجد بايدن نفسه مربَكاً في مقاربة الملف اللبناني مجدداً، بين الليونة والتشدُّد؟ تالياً، هل سيجد نفسه مضطراً إلى مراجعة سياسته والاقتراب مجدداً من نهج ترامب في لبنان؟

 

إذا تعثّر التوصّل إلى اتفاق شامل بين واشنطن وطهران في مفاوضات فيينا، وطالت المراوحة، فستمارس طهران سياسة «النفَس الطويل» أينما كان في الشرق الأوسط، ولا سيما لبنان، وتراهن على التعب و«الضجر» الأميركيين.

 

عندئذٍ، سيكون على بايدن أن يختار: التصعيد والمواجهة وهو النهج الذي جرّبه ترامب، أو مَنح الديبلوماسية مزيداً من الوقت وهو نهج الفرنسيين، أو الانسحاب المباشر من لبنان وتلزيمه لطرفٍ قادر على إدارة اللعبة وهو نهج الأميركيين والأوروبيين في مراحل سابقة.