Site icon IMLebanon

بايدن دخل البيت الابيض: من كان ينتظره؟

 

يتبرأ بعض القادة اللبنانيين تباعاً من تهمة ربط الاستحقاقات الداخلية وملف تشكيل الحكومة، بدخول الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن الى البيت الابيض. وعلى الرغم من إقتناع كثيرين انّ مثل هذا الإدّعاء ناجم عن عجزهم في مواجهة اي من الأزمات، ورضوخ آخرين منهم لالتزاماته الخارجية، فقد برع البعض في تبادل الاتهامات، بردّ الصعوبات الى عوامل خارجية. وعليه لماذا التنصّل من هذه التهمة اليوم؟

 

توقفت مراجع سياسية وديبلوماسية أمام سيل المواقف التي اطلقتها جهات لبنانية عدة، تنصّلت من خلالها من اي رهان كان قائماً في لبنان على استحقاق دخول بايدن الى البيت الابيض، لتنفرج الساحة اللبنانية ويتوافق المعنيون بأزمة تشكيل الحكومة، على اسقاط الشروط التي حالت دون ولادتها، بعدما تمّ ربط هذا الاستحقاق بكثير من المحطات الخارجية.

 

ومردّ هذا الإعتقاد، بعدما دخلت بعض المراجع في التفاصيل الدقيقة الى حديث البعض منهم، ولا سيما من يعتبرون انفسهم من صقور «محور الممانعة» في المنطقة، عن انّهم لن يسمحوا بتشكيل حكومة جديدة ترضخ للشروط الخارجية، ولا سيما منها الأميركية علناً، كما الاوروبية عموماً والفرنسية خصوصاً في السرّ. وكان كل ذلك يجري على وقع السباق اللبناني الى تأييد المبادرة الفرنسية التي قادها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال زيارتيه للبنان عقب انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، واستقالة حكومة «مواجهة التحدّيات» في العاشر منه، وتكليف السفير مصطفى اديب مهمة تأليف «حكومة المهمّة»، والتي قالت بضرورة تشكيل حكومة حيادية ومستقلة في خلال اسبوعين، تكون بتشكيلتها بعيدة كل البعد عن تمثيل الحزبيين، بغية إطلاق مسيرة التعافي الاقتصادي والنقدي، ومعالجة نكبة بيروت واعادة اعمار ما تهدّم.

 

ويضيف هؤلاء: «رغم اعتذار اديب عن المهمّة، فقد صمّ قادة هذا المحور، ومن بينهم من يتمتعون بالأكثرية النيابية ويدعمون رئيس الجمهورية، الآذان تجاه كل الدعوات التي أُطلقت لتنفيذ المبادرة الفرنسية، بعدما اسقطوا منها 10 في المئة مما قالت به، لعدم وجود التوافق حول الانتخابات النيابية المبكّرة في اسرع وقت ممكن. وبدلاً من التزام ما قالت به خريطة الطريق الواضحة والمتكاملة التي قالت بها المبادرة، فقد ربطوا تشكيلة اديب بكثير من الشروط التي تفرّغ الحكومة من الهوية المطلوبة لها، فأصرّ ثنائي حركة «امل» و»حزب الله» على التمسك بحقيبة وزارة المال، على الرغم من العقوبات الاميركية التي طاولت وزيرها السابق علي حسن خليل بهذه الصفة دون غيرها. واصرّ رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل على تمسّكه بحقيبة وزارة الطاقة، على الرغم من الملاحظات التي طاولت كل من تعاطى بقطاع الطاقة من دون تحقيق اي إنجاز، عدا عن الهدر الذي شهده القطاع وزاد من نسبة الانهيارات فيه وحجم ما رتّبه من نسبة الدين العام. ومن لم يتجرأ على البوح بمطالبه علناً، والتي تفرّغ التشكيلة الحكومية من اهدافها وشكلها ومضمونها ومهمتها، قال انّه لا بدّ من ضمان الثقة المطلوبة من الكتل النيابية. فبدأوا الحديث عن تشكيلة «تكنو – سياسية» غير «حيادية»، لمنع تحقيق اي مخطط يتجاوز نتائج الانتخابات النيابية، ويتجاهل مصالح الأكثرية النيابية التي فرزتها، فضاعت كل المساعي المبذولة. وبعد اعتذار اديب بأيام قليلة من دون ان يشكّل حكومته، أًعيد تكليف الرئيس سعد الحريري المهمة ايّاها، قبيل العقوبات الاميركية التي طاولت رئيس «التيار الوطني الحر»، واتهامه بالفساد بدعم مباشر من حلفائه في «حزب الله» وحلفاء الحلفاء، رغماً عن إرادة رئيس الجمهورية ورئيس التكتل الذي كان يرأسه، وهو ما لم يستوعبا ما حصل حتى اليوم، ويسعيان بالقدرات المتوافرة لإسقاط التكليف، رغم حجم العقبات التي تجعلها مستحيلة.

 

ولتبرير ما جرى، تبادل اطراف النزاع الاتهامات، فردّ ممثلو جبهة الممانعة ومعهم رئيس الجمهورية، التعثر الحكومي الى العقوبات الأميركية التي احبطت مساعي اديب قبل ان تكتمل فصولاً، وعقّدت مهمة الحريري، وأضافوا، انّه لا بدّ من انتظار اللحظة التي يغادر فيها الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب البيت الابيض لإسقاط الضغوط الاميركية التي منعت الحريري من تشكيل الحكومة. وفي المقابل، – لا تعفي المراجع مسؤولية الطرف الآخر -، وتقول، لم يوفّر الحريري ومحيطه وحلفاؤه، من الإشارات التي تستهدف خصومه السياسيين وكل من يمثل محور الممانعة، فقال بما معناه، انّ هؤلاء لن يعطوا ترامب صك التشكيلة الحكومية بعدما اهدوه على وقع العقوبات الاميركية التي اغاظت الثنائي الشيعي الـ «اتفاق الاطار» من اجل استئناف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل.

 

وسألت المراجع السياسية والديبلوماسية ايّاها، هل هناك من يدحض هذه الوقائع التي واكبت مختلف مراحل تشكيل الحكومة منذ تكليف الحريري هذه المهمة ومن قبلها، ليعتبر اليوم انّه لم يرهن اي موقف بالاستحقاقات الأميركية خصوصاً، والخارجية عموماً. فقد قالوا اولاًن انّ محطة الانتخابات الرئاسية الاميركية محطة مؤثرة في عملية التأليف، ولم يقتنع احد بالنصائح الفرنسية التي جاهر بها الرئيس ماكرون شخصياً، وهو الذي نصح باستغلال المرحلة الانتقالية بين عهدين التي تعيشها الولايات المتحدة، لإطلاق مسيرة الإنقاذ.

 

وفي الإطار نفسه، لا تتجاهل المراجع عينها ما قال به ممثل الامين العام للامم المتحدة يان كوبيتش في اكثر من بيان وتغريدة، في اتجاه حض اللبنانيين على عدم انتظار اي استحقاق في الخارج لفك عقدة الحكومة. كما اطلقت «مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان» ومعها ممثلو الاتحاد الاوروبي، اكثر من نداء وموقف وبيان رسمي، دعوا فيها اللبنانيين بإصرار الى العبور بالاستحقاق الحكومي، من اجل تسهيل الوصول الى المؤتمرات الدولية الخاصة بإعادة اعمار بيروت، وتلك التي تنعش الاقتصاد الوطني، كما على مستوى إحياء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، من اجل اطلاق عملية التعافي والنهوض في القطاعات النقدية والاقتصادية، واستعادة شيء من الثقة التي كان يتمتع بها القطاع المصرفي خصوصاً، والاقتصاد الوطني عموماً، من دون ان تُعطى هذه النصائح ما تستحقه من الجدّية. فبقي النقاش قائماً وصولاً الى الثلث المعطّل، وما لا يمكن تفسيره حول صلاحيات رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف في عملية التأليف.

 

وبناءً على كل ما تقدّم، انتهت المراجع الى السؤال: اما وقد دخل بايدن البيت الابيض، فما الذي تغيّر؟ وما النفع من التنكّر لكل ما اعاق عملية التأليف؟ لتنتهي الى اتهام كل من تعاطوا بالملف الحكومي، وتطالبهم اما بالاعتذار من اللبنانيين او التراجع فوراً عن شروطهم وتشكيل «حكومة المهمّة» امس قبل اليوم. ومن دون هذه الخطوات لا أمل في استعادة الثقة بلبنان وقادته. وقد يكون الآتي أعظم بكثير.