أقدم الرئيس الأميركي الجديد جوزيف بايدن على عمل جيد حتى الآن، من حيث تهدئة مخاوف الحلفاء من أن الولايات المتحدة سوف تندفع على مسار إعادة الدخول في الاتفاق النووي المعيب المبرم في عام 2015 مع الحكومة الإيرانية. ومن شأن تعيين روبرت مالي مبعوثاً أميركياً خاصاً إلى إيران أن يغير من ذلك التصور.
وفيما يتصل بإيران، صدرت إشارات مطمئنة من مستشاري الرئيس بايدن الآخرين. وصرح مستشار الأمن القومي الجديد جيك سوليفان الشهر الماضي، قائلاً إنَّ الأمر يرجع بالكلية إلى إيران فيما إذا كانت الولايات المتحدة سوف تعاود الانضمام إلى الاتفاق النووي مرة أخرى من عدمه، الأمر الذي يعني الامتثال التام من جانب الحكومة الإيرانية لبنود وأحكام الاتفاق النووي قبل إقدام الولايات المتحدة على رفع حزم العقوبات الاقتصادية المفروضة عنها. وكان السيد أنتوني بلينكين، مرشح الرئيس الأميركي لحقيبة الخارجية، قد أخبر مجلس الشيوخ أنه يرغب في اتفاق نووي أطول وأرسخ مع الحكومة الإيرانية، كما تعهد التشاور مع الحلفاء الإقليميين مثل إسرائيل وبلدان الخليج العربي في حالة استئناف المفاوضات مع إيران.
ومن الغريب – بحسب ما ذكرته صحيفة «جويش إنسايدر» المعنية بالشأن الإسرائيلي في نيويورك، أن بايدن اختار روبرت مالي، وكان مدير شؤون الشرق الأوسط السابق في مجلس الأمن القومي بإدارة الرئيس أوباما، في منصب مبعوثه الخاص إلى إيران. فعلى العكس من جيك سوليفان وأنتوني بلينكين، بل والرئيس بايدن نفسه، يبدو أن مالي يميل إلى الاعتقاد بأن التعامل المباشر مع البلدان المارقة هو السبيل الوحيدة لترويضها.
وكانت تلك من التيمات البارزة في مسيرة روبرت مالي المهنية. بعد انهيار محادثات السلام الفلسطينية – الإسرائيلية مع نهاية إدارة الرئيس كلينتون السابقة، أعلن مالي – الذي كان ضالعاً في تلك المحادثات – اعتراضه علناً على وجهة النظر المتبناة لدى الرئيس بيل كلينتون، بأن السبب المباشر في انهيار المباحثات كان فشل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في طرح عرض مقابل. ثم توقف مالي منذ عام 2008 عن تقديم المشورة إلى حملة باراك أوباما الرئاسية بشأن السياسات الخارجية، إثر ظهور تقارير تفيد بأنه قد اجتمع مع قادة من حركة «حماس» الفلسطينية، تلك المنظمة التي تعدّها الحكومتان الأميركية والإسرائيلية من المنظمات الإرهابية.
والسيد مالي، بطبيعة الحال، ليس الشخص الأول أو الوحيد الذي يدعم الجهود الدبلوماسية مع خصوم الولايات المتحدة في الخارج. ففي واقع الأمر، أعربت إدارة الرئيس الأسبق دونالد ترمب نفسها عن اعتمادها سياسة الضغط الأقصى المتبعة مع الحكومة الإيرانية وسيلةً من وسائل إجبار النظام الإيراني على الإذعان لاتفاق نووي أفضل. غير أنَّ دعوة مالي العلنية خارج الأوساط الحكومية، من شأنها تقويض مهام سوليفان وبلينكين الرامية إلى إبرام اتفاق أوقى من الذي ساعد روبرت مالي في التفاوض بشأنه فيما سبق.
وفي مقابلة أجريت في عام 2019 مع موقع «إنترسبت» الإخباري الأميركي، قال مالي إنَّ الشروط الـ12 التي أقرها مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي الأسبق لرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، ترقى إلى مستوى العمل على تغيير النظام الحاكم في إيران، وأنه لا يمكن لأي زعيم إيراني أن يقبل بهذه الشروط أو يوافق عليها أبداً.
ومع ذلك، لم تكن مطالب بومبيو غير عقلانية على الإطلاق. فهي لم تشتمل بصورة واضحة على لزوم إجراء الإصلاحات الديمقراطية الداخلية، أو ضرورة إطلاق سراح السجناء السياسيين في إيران. بدلاً من ذلك، كان الهدف من شروط مايك بومبيو وضع حد نهائي للتصرفات العدائية الرعناء من جانب النظام الإيراني، من شاكلة دعم التنظيمات الإرهابية، وتطوير القدرات الصاروخية الباليستية، واحتجاز الرهائن من الرعايا الأجانب في البلاد.
والأهم من ذلك، فكرة أنَّ النظام الإيراني لا يستجيب للضغوط الدولية هي من بؤر الحوار لدى إيران، لا سيما وزير الخارجية محمد جواد ظريف. كما أنه من الثابت أنها فكرة خاطئة تماماً.
ولقد أخبرني المواطن الأميركي من أصول صينية وانغ شيوي، الذي سُجن ظُلماً في إيران بين عامي 2016 و2019، أثناء إعداده رسالة جامعية للحصول على درجة الدكتوراه، أنَّ اختيار روبرت مالي مبعوثاً أميركياً خاصاً إلى إيران، من شأنه تقويض مهام أنتوني بلينكين وتأكيداته بأنَّ إدارة الرئيس بايدن سعت إلى تعزيز الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. وأضاف شيوي قائلاً: «إذا كنت في مكان محمد جواد ظريف، فلن أصدق أبداً أنتوني بلينكين إن كان روبرت مالي قد صار المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران، أم لا».
يعد شيوي واحداً من بين 12 شخصاً كانوا رهائن سابقين لدى النظام الإيراني ممن كانوا نشطاء سابقين في مجال حقوق الإنسان، وكانوا قد بعثوا برسالة إلى بلينكين يطلبون منه عدم الموافقة على تعيين روبرت مالي. ولقد قالوا في رسالتهم: «إن تعيين مالي سوف يبعث بإشارة مخيفة إلى النظام الديكتاتوري في إيران بأن الولايات المتحدة سوف ينصب تركيزها على معاودة الدخول في الاتفاق النووي الإيراني فحسب، مع تجاهل تام لقضايا الإرهاب الإقليمي، والجرائم المحلية ضد الإنسانية في إيران». كما أنَّها سوف تكون بمثابة إشارة إلى أن إدارة الرئيس جوزيف بايدن لا تعبأ بحقوق الإنسان الخاصة بالمواطنين الإيرانيين، والسوريين، والعراقيين، واللبنانيين، وغيرهم كثير ممن يسومهم النظام الإيراني الحاكم سوء العذاب.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»