يغرق لبنان في تحليلات عن الإنهيار المتواصل، ويكاد يُجمِع المحلّلون على أنّ البلاد مشلولة، ولا أمل في تحريك الملفّات الحيوية، كتأليف الحكومة وإستسقاء المساعدات الدولية، والبحث في مصير أموال المودعين و.. و.. في انتظار تسلُّم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن زِمام الحكم. وفي حين تلتقي وجهات النظر وتتقاطع المعلومات التي لم تعد تحتاج قارئة فنجان لحلِّ طلاسم التردّي الذي يتفاقم، تشي التطورات الإقليمية تحت وطأة الصراع الدائر في منطقتنا بأنّ العاصفة ستهبّ عندنا، أينما تخصّبت غيومها الداكنة.
لذا، يزداد الرهان على الإحتمالات العالية للحرب المبنية على وصول الأحوال الإقليمية إلى خطّ اللاعودة، في ظلّ التوتر المتزايد على خطّ الولايات المتّحدة وإسرائيل من جهة، وإيران و”حزب الله” من جهة أخرى. ومن يجنح الى هذه النظرية، يبني على أنّ ترامب لن يخرج من البيت الأبيض إلّا بعد تفجير كلّ الملفّات الملغومة، التي من شأنها أن تعقّد بدايات بايدن، وتُحمّله أعباء كفيلةً بتفخيخ مدّة ولايته، فلا يُجدّد ولا يُمدّد.
ويضيف بأنّ إيران التي لا تزال تتلقّى الضربات الموضعية المؤلمة بصمت وصبر في انتظار بايدن وتغيير المعادلات الراهنة وصولاً إلى التفاوض من جديد، وهي تعتمد على “حزب الله” ليحصّن وضعها ويقدّم لها العونة لإستخدام بلادنا ورقة حاضرة للتفجير أو للمقايضة.
وطبعاً، لا يهمّها إن احترق لبنان، فهو ساحتها وحديقتها الخلفية، ويحقّ لها أن تعبث به قدر ما تشاء، ما دامت تعطي لـ”الحزب” قوّة وجوده وسلاحه، وما دام “الحزب” يعتنق استراتيجيتها، ويبتلع البلد بسيادته ومؤسّساته ومرافقه بالتدريج المريح، ويُجيِّر كل أزماتنا لمصلحة رأس مِحوره، ويؤكّد إنفتاحه وإستعداده للتعاون مع الجميع لتأليف الحكومة اليوم قبل الغد.. لكن.. ليس قبل إجتياز بايدن عتبة البيت الأبيض. وفي المقابل، يتجلّى خطيراً هذا الإستسلام الشعبي الى إمعان المنظومة السياسية في الخراب، في غياب أيّ إشارة أو إحتمال لقيام مواجهة، تُخرج اللبنانيين من بيوتهم الى الشارع للإطاحة بهذه المنظومة وإدمانها عرقلة أيّ سعي جدّي لفرملة الإنهيار، بغية المحافظة على فتافيت مصالحها والحؤول دون إندثارها بعدما فتك بها الإهتراء. قد يقول قائلٌ إنّ فيروس “كورونا”، وبعد إنهيار سعر صرف الليرة، تواطأ بدوره على اللبنانيين ليخرجهم من الشارع، فيتوقّفوا عن تنظيم أيّ تحرّك فعّال، باستثناء الشكوى المتواصلة التي تكرِّس عجزهم، وكأنهم خسروا أصواتهم. إلا أنّ الإستهتار والفوضى حيال التعامل مع الفيروس في كثير من المناطق اللبنانية، يدلّ عليه ارتفاع عدد الإصابات وعدد الوفيات، يدحض هذا القول. في الأمر أكثر من ذلك.
ومن لم يَخرج ويُخرج أركان السلطة من أسِرَّتهم بعد تفجير المرفأ في الرابع من آب الماضي، لن يستطيع تغيير نقطة أو فاصلة في ما يُكتب ويُنفّذ على الأرض اللبنانية، التي باتت جاهزة لموت، يبدو أنّه لم يعد مؤجّلاً. فكلّ هذا العدم يؤكّد أنّ اللبنانيين إستسلموا، وباتوا بدورهم في انتظار بايدن، وما سوف يحمله معه من مشاريع للمنطقة.
وفي الإنتظار، يكتفي الخاسرون بأصواتهم وغضبهم، كما العجائز، بالصلاة وتوسّل الله أن يقضي على هذه المنظومة، حتى لو دفعوا من لحمهم المكدّس في بازار حروب الآخرين، ثمن حرب مدمّرة تبيد المنظومة ومن يحميها.