الحروب والنزاعات تقع عندما يفشل السياسيون في انتاج اللقاحات الوطنية للاوبئة السياسية المحلية الاقليمية والدولية، وعلاج تلك الاوبئة يحتم ضرورة وجود نخب وطنية استشرافية قادرة على استباق الازمات بانتاج تسويات تكون بمثابة لقاحات مانعة لتفاقم الوباء وتحوله من عارض عابر الى وباء فتاك يؤدي الى الحروب والنزاعات المسلحة، ولبنان هذه الايام يعاني مع تفاقم الاوبئة السلطوية التي تهدد الوجود والكيان ومستقبل الاجيال.
تشهد المنطقة تحولات استراتيجية داهمة في محاولة للاستفادة القصوى مما تبقى من ولاية الرئيس دونالد ترامب من اجل تعزيز المكتسبات وفرض واقع اقليمي جديد يتمثل بعمليات التطبيع السريعة والمكثفة، والتي قد تشهد مفاجآت جديدة وتوقع ما هو غير مفكر فيه او غير متوقع والاحتمالات مفتوحة في هذا المجال وذلك قبل تاريخ خروج الرئيس الاميركي دونالد ترامب من البيت الابيض في ٢٠ كانون الثاني القادم.
التحولات السياسية في المنطقة تتزامن مع توقعات جدية بوقوع اعمال حربية تتجاوز واقع النزاعات في سوريا واليمن والعراق وليبيا ولبنان، وخصوصا بعد اغتيال العالم الايراني في طهران محسن خليل زادة وما تبعه من عمليات استنفار ومناورات وتهديدات واستقدام قوات وطائرات والتعامل الجدي مع احتمالات الحرب على اعتبار ان وقوعها هو الاساس وعدم وقوعها هو الاستثناء، والحرب المتوقعة متعددة الجبهات والجهات وقد تكون بمثابة عملية استعراض لأنماط القوة الجديدة لدى كل الاطراف والتي ستتحكم بالتحالفات والنزاعات وقواعد الانتظام القادمة في المنطقة.
بدأت الاستعدادات لعمليات التفاوض مع الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن بعد الاقرار بفوزه من المجمع الانتخابي في ١٤ كانون الاول، والدول الكبرى المعنية بعملية التفاوض حول المنطقة والمعروفة ب ٥+١ اي الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا واميركا زائد المانيا، والتي بدأت هذا الاسبوع اجتماعات تمهيدية بين دول ٤+١ بانتظار تسلم الرئيس الاميركي الجديد مهامه مما يوحي بأن العملية التفاوضية مع ايران ستكون سريعة وستنتقل من النووي الى اوضاع المنطقة بين دول ٥+١ الدولية ومع ٥+١ من دول المنطقة وهي السعودية ومصر وتركيا وايران واسرائيل زائد واحد وهو الهاشمي الاردني الراعي للمقدسات المسيحية الاسلامية في القدس والهاشمي المغربي رئيس لجنة القدس العالمية.
لبنان يعاني من تداعي مؤسسات السلطة الرئاسية والتنفيذية والتشريعية والقضائية والامنية والعسكرية نتيجة الفشل الوطني العام لدى كل المكونات الطائفية والمذهبية والمليشياوية والحزبية والمدنية القديمة والمستجدة والهيئات النقابية الشكلية والتي تعاني مجتمعة من عملية انكشاف سياسي مع اعراض وبائية كبيرة اظهرت مدى فقدانها للمناعة الوطنية بالاضافة الى هشاشتها وعجزها وجهلها وتسطحها وعدم قدرتها على احداث اي صدمة ايجابية تعيد اللحمة الى الجسم الوطني المتداعي في اطار منظومة السلطة الحالية على كافة المستويات الرئاسية والمؤسساتية.
لبنان المصاب بالوباء السلطوي بحاجة الى لقاح وطني يتمثل في تنفيذ التسوية الوفاقية الوطنية وتشكيل سلطة انتقالية رئاسية وحكومية وبرلمانية تعمل على تجديد الحياة السياسية، وتنتج استراتيجية انتاجية انمائية متوازنة وطنية واستحداث هيئة حوار وطني قطاعي ومناطقي تحدد وظيفة لبنان الجديدة المحررة من الأوبئة الطائفية والولاءات الخارجية، وتكون قادرة على مواكبة تطورات المنطقة العسكرية والسلمية والتفاوضية بعيدا عن رهانات وارتكابات كل المجموعات الطائفية والعقائدية التي نقلت الى لبنان الوباء السياسي وعاجزة عن انتاج اللقاح الوطني.