IMLebanon

لمصلحة مَن يتفاوض بايدن مع روحاني؟

 

 

وضع الرئيس جو بايدن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران بين أولوياته في التعاطي مع منطقة الشرق الأوسط منذ وصل إلى البيت الأبيض. استند إلى أن انسحاب سلفه دونالد ترمب من الاتفاق كان قراراً خاطئاً، لأنه أتاح لإيران استئناف برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم من دون قدرة على المراقبة الفعلية من جانب وكالة الطاقة الدولية، ومن دون ضوابط على إيران كان يضمنها ذلك الاتفاق. وأكد بايدن أن أي اتفاق جديد يمكن التوصل إليه مع طهران سوف يشمل برنامجها النووي ودورها في المنطقة الذي يثير قلق جيرانها ويهدد أمنهم.

مفاوضات فيينا التي تجري بالواسطة بين أميركا وإيران هي نتاج لموقف بايدن. «الخجل» الأميركي من المشاركة المباشرة من خلال عدم جلوس المفاوض الأميركي روبرت مالي مع عباس عراقجي نائب وزير الخارجية الإيراني في غرفة واحدة، لا يعود إلى تحفظ واشنطن على هذه الخطوة، بقدر ما يعكس إدراك واشنطن لحجم التحفظ الإقليمي من قبل جيران إيران على القفز باتجاه التفاوض المباشر، فيما تستمر طهران في التأكيد أنها غير مستعدة للقيام بخطوة إيجابية والتراجع سلفاً عن الخطوات التصعيدية التي أقدمت عليها منذ انسحاب ترمب من الاتفاق في مايو (أيار) 2018، كما أنها غير مستعدة لمراعاة قلق جيرانها من مشروعها الإقليمي وتدخل ميليشياتها في نزاعات المنطقة ضمن التفاوض على أي اتفاق جديد.

هناك مشكلة عميقة في المنطقة الخليجية تتعلق بعدم ثقة جيران إيران بأي تعهد تعلن التزامها به. وهي مشكلة لا تحلها المفاوضات الأميركية – الإيرانية، سواء أكانت مباشرة أم غير مباشرة. بل يحلها سلوك عملي يؤكد تراجع طهران عن السياسات التي أدت إلى تعميق أزمات المنطقة من خلال تدخلها فيها. هذا الالتزام هو المظلة التي يمكن أن تحمي أي اتفاق جديد تتوصل إليه إيران مع أميركا ومع مجموعة «4 + 1». هذا إذا كان هدف الاتفاق هو ضماناً فعلياً لأمن المنطقة ولمصالح كل دولها.

غير أن ما نشهده حتى الآن من خلال استئناف عملية التفاوض في فيينا، أن طهران تتصرف في هذه المفاوضات تصرف «المنتصر»، فهي تعتبر أنها تمكنت من دفع الولايات المتحدة إلى العودة إلى المفاوضات، من دون أن تدفع هي شيئاً في المقابل. الرئيس حسن روحاني يفاخر بالحديث عن «بداية فصل جديد»، وممثله في المفاوضات، عباس عراقجي، يصف الاجتماع بأنه كان «اجتماعاً بناء». ولا يتردد الإيرانيون في الإعلان عن جدول الأعمال الذي يريدونه لهذه المفاوضات. هم يرون أن هدفها هو رفع العقوبات المفروضة عليهم بشكل سريع وقابل للتحقق.

ولا شك أن الرياح الإيجابية التي ينشرها الإيرانيون تستند إلى شيء حسي؛ خصوصاً عندما نسمع مثلاً أن الولايات المتحدة مستعدة لرفع جزء من العقوبات لا يتعلق بالاتفاق النووي، من دون أن يكون واضحاً عن أي جزء تتحدث واشنطن، ومن دون أن تعلن طهران موافقتها على الشرط الذي سبق أن وضعه بايدن لاستئناف المفاوضات، والذي يتعلق بضرورة أن يتوسع أي اتفاق جديد ليشمل دور إيران الإقليمي، ويعالج أسباب قلق جيرانها من هذا الدور، ويضمن بالتالي موافقتهم على الاتفاق إذا حصل.

لم يحدث شيء من ذلك إلى الآن، على رغم حديث روبرت مالي عن مخاوف واشنطن من برنامج الصواريخ الباليستية التي تملكها إيران، ومن أنشطتها في المنطقة. غير أن مالي كان ضمن الوفد الأميركي المفاوض سنة 2015. عندما لم يتضمن الاتفاق آنذاك أي إشارة إلى الصواريخ والتدخلات، مع أنها كانت على مرأى من الجميع.

مسألة غياب الثقة التي أشرت إليها سابقاً يؤكدها ما حصل بعد استهداف السفينة الإيرانية «ساويز» في البحر الأحمر بصواريخ قيل إنها إسرائيلية. وزارة الخارجية الإيرانية أسرعت إلى القول إن السفينة «تجارية ومدنية»، فيما تشير صور التقطتها مراكز مراقبة الملاحة البحرية إلى أن «ساويز» هي قاعدة عسكرية بحرية لـ«الحرس الثوري» وعلى متنها رجال مسلحون وقوارب صغيرة من النوع الذي يستخدمه «الحرس»، وكانت تخضع للعقوبات الأميركية قبل أن ترفع بموجب اتفاق عام 2015، وفرضت من جديد بعد انسحاب إدارة ترمب منه. وهذا يعني أنها خاضعة اليوم لعقوبات أميركية، فيما ذكرت مصادر إعلامية تابعة لـ«الحرس الثوري» أن القوات المسلحة تستخدم هذه السفينة لضمان أمن الملاحة في البحر الأحمر، ولمنع أعمال القرصنة في مضيق باب المندب. ولم يقدم الإيرانيون أي تفسير بشأن الجهة التي كلفتهم القيام بهذه المهمة «الأمنية» قبالة شواطئ جيبوتي وفي منطقة تبعد مئات الأميال عن شواطئهم وحدودهم البحرية، في الوقت الذي تخضع «ساويز» للعقوبات.

قصة «ساويز» مثال من أمثلة كثيرة على سلوك إيران الذي يقلق جيرانها ويهدد استقرار المنطقة.

وبالعودة إلى مفاوضات فيينا، وفي غياب الثقة التي يمكن أن تسهل الاتفاق، يبدو الطرفان الأميركي والإيراني منشغلين بتحقيق أهداف خاصة بهما من هذه المفاوضات. إدارة بايدن تريد استعادة اتفاق كان ينظر إليه على أنه أحد «إنجازات» إدارة باراك أوباما، التي كان بايدن الرجل الثاني فيها. وإدارة روحاني التي تقف على أبواب انتخابات رئاسية بعد شهرين، تهدف إلى الرد على خصومها في الداخل بأنها قادرة على رفع العقوبات وفتح باب التحسن الاقتصادي من دون دفع ثمن كبير يهدد مشروعها الإقليمي، الذي يتولى إدارته «المرشد» علي خامنئي و«الحرس الثوري».

مرحلة حاسمة تنتظر خلالها المنطقة ما يمكن أن تفضي إليه المفاوضات الأميركية – الإيرانية، وقدرتها المحتملة على ضبط سلوك طهران ودفعها إلى العودة إلى داخل حدودها. وفيما يعلن روحاني أن الهدف هو التوصل إلى اتفاق قبل الانتخابات الرئاسية لمحاولة قطف ثماره في الصناديق، يؤكد روبرت مالي رجل واشنطن في المفاوضات أن إدارته لا تعمل ضمن مهل زمنية، ولا مانع لديها من استكمال التفاوض مع من سيكون في السلطة في طهران بعد يونيو (حزيران).

أي أن المنطقة على أبواب فصل طويل من شد الحبال بين واشنطن وطهران.