جيّد أن يقول وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون من طهران أنّ «التوتر الإيراني – السعودي لا يخدم أي بلد ويؤدي فقط إلى أجواء غير مستقرة».. لكن ستكون أكثر جودة لو أنّه يحدّد لاحقاً، بطبيعة الحال، الجهة المسؤولة عن ذلك التوتر وتداعياته، وهي التي تقرّ بنفسها، ومن قبل أرفع مستوياتها النظامية، أنّها «المُبادِرة» والصانِعَة والدافِعَة لذلك البلاء المستشري الذي يصفه جونسون تخفّفاً بـ«التوتّر»!
يُفهم أن تفتش الدول الكبرى (والصغرى إذا أمكن) عن مصالحها وأن تسعى إلى فتح أسواق جديدة أمام صادراتها و«قيمها»، وأن تَظهر ساعة تشاء بمظهَر المحايد بين متخاصمين، لكن لا يُفهم من حيث المبدأ، أن تضع الدولة الأعرق في الديموقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، الجاني والضحيّة في مرتبة واحدة! وأن تتجاهل حقائق من النوع الذي كرّره رئيس إيران حسن روحاني قبيل ساعات من زيارة الوزير البريطاني، بقوله أمام البرلمان أنّ بلاده ستستمر في دعم «مقاتلي المقاومة الذين زرعوا اليأس في قلوب الاستكبار العالمي والصهيونية، ونشروا الأمن في ربوع العراق وسوريا ولبنان، وسينعم اليمن بالأمن أيضاً!».
و«زراعة اليأس في قلوب الاستبكار» هو اختصاص إيراني حصري.. لكنّ المفارقة هي أنّ سريان مفاعيله لا تصل إلى العلاقات المستجدّة مع دول أوروبا الغربية غَدَاة توقيع الاتفاق النووي. ولا مع السعي المحموم المتبادل لإعادة وصل ما انقطع تجارياً ومالياً واقتصادياً، بل هو من الأساس، خلاصة ثورية لتوصيف أحوال أنظمة الخليج العربي! وشعوب اليمن والبحرين والعراق وسوريا ولبنان! ولولا بعض الخفر وخشية الإيحاء بالتهافت، لذهب الشيخ روحاني إلى وصف البريطانيين وأقرانهم الأوروبيين بـ«المستضعفين» الذين آلت «الثورة الإسلامية» على نفسها إلاّ أن تنصرهم منذ أيامها الأولى!
وشاءت الصدف أن تأتي زيارة الوزير جونسون إلى طهران، بعد يومين على إعلان دونالد ترامب قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.. لكن كلمة واحدة لم تخرج، لا علناً ولا تسريباً، عن أن الأمر كان مدار بحث أو مقارعة ذهنية مثلاً بين الزائر الكريم ومستقبِليه! بل طغت «العلاقات الثنائية» على ما عَدَاها.. وكان واضحاً أنّ المسؤولين الإيرانيين تجاهلوا الموضوع تماماً برغم أنّ لندن (للمفارقة!) عارضت قرار الرئيس الأميركي!
يعني، أنّ إيران تستقبل الوزير البريطاني على أراضيها. وتسعى بكل ما أوتيت من عزم وحمية لترميم علاقاتها مع دول الغرب. وتتمنّى اليوم قبل الغد، لو يسلك ترامب مسلك سلفه باراك أوباما معها، ثمّ تتعامل مع قضية القدس من خارج موروثها «الثوري» الصاخب.. لكنّها لا تتورّع وعلى لسان روحاني (مجدداً!) عن الحديث عن «الانبطاح» السعودي أمام إسرائيل! ولا الإيعاز إلى أبواقها في المنطقة العربية لتسعير الحملة الافترائية عليها وعلى دول الخليج العربي تحديداً، محاولة بذلك أن تحرف الأنظار عن موقفها هي! وطمس تاريخ المزايدات التي اعتمدتها إزاء «القضية الفلسطينية» (والقدس تحديداً) والإيحاء بأنّ «الموضوع» هو الموقف العربي وليس القرار الأميركي ولا إسرائيل نفسها!
بل إنّ الرئيس روحاني لم يجد في موضوع القدس ما يستحق الاهتمام! ورأى أن تيئيس «الاستكبار» في اليمن والعراق وسوريا ولبنان أولى وأهم، طالما أنّ مصالح إيران تقضي بذلك.. وتلك المصالح تعني أن يُستقبَل الوزير البريطاني في طهران من دون أي منغّصات، فيما يُوعَز إلى أهل «المقاومة» بنشر صور قيس الخزعلي على الحدود الجنوبية اللبنانية!