اذا سلمنا جدلا بأن ايران لا تريد انتخابات رئاسية في لبنان، من الضروري عدم التسليم بأن من لا يحضر جلسات الانتخاب ليسوا كلهم على خط سياسة طهران، مثل نواب التيار الوطني ونواب تيار المردة حيث لكل من هؤلاء مرشح للرئاسة، من غير ان يكون لهم اي استعداد يفهم منه انهم يريدون رئيسا للجمهورية، من دون حاجة الى ان يكون هناك اصطفاف سياسي من النوع الذي يطبع العلاقة بين قوى 8 اذار، اضف الى ذلك ان نواب حزب القوات اللبنانية فهموا اللعبة السياسية على ما هي عليه لكنهم لم يقاطعوا الجلسة الـ 37 التي اقتصر الحضور فيها على اثنين وستين نائبا »يا عيب الشوم«؟!
انها نكتة بلا شك، والا ما معنى مقاطعة انتخاب رئيس للجمهورية، او انها مجرد بهدلة سياسية من جانب من يعرف كيف يقاصص الرئاسة الاولى تأديبا، كي لا نقول لمجرد الزكزكة التي لا طائل منها، مع العلم ان ارجاء الجلسة الى الثامن عشر من الشهر المقبل يفهم منه استمرار الضياع السياسي الذي يعني ان لا مجال امام انتخاب رئيس نظرا لعدم جدية المرشحين ممن يفرضون ايقاع المقاطعة طالما انهم غير مقتنعين بما هم بصدده، ان لجهة الجدية او لجهة اعتبار هذا الاستحقاق مجرد نكتة من الصعب الاخذ بها؟!
وبالنسبة الى كل ما تقدم كيف يجوز ان يقاطع المرشحون للرئاسة جلسة الانتخاب، الا في حال عدم جدية هؤلاء ازاء ما هو مطلوب منهم منذ قرابة السنتين، وهذه المدة مرشحة لان تستمر الى اكثر بكثير بعكس ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري عن نضوج الثمرة التي حان قطافها من غير ان يظهر في الافق من هو على استعداد لان يقطف الاستحقاق ويقوم بالمطلوب منه ليس رغبة في القيام بالواجب، بل رغبة في تحمل المسؤولية، لان الشغور الرئاسي بات يشكل وصمة عار في حياتنا الديموقراطية – البرلمانية التي من الواجب ان تقدس الدستور والقوانين والاعراف، فيما العكس هو المعمول به لاسباب من المستحيل الخوض فيها؟!
الاسئلة في هذا المجال اكثر من ان تحصى سياسيا واخلاقيا ووطنيا، الا في حال كانت السياسة مجرد ضحك على الشعب المسكين المنكوب باحزاب وتنظيمات تمنع عليه الوصول الى رئيس للجمهورية مهما اختلفت الاعتبارات خصوصا الاعتبارات الوطنية التي باتت غائبة تماما عما يصح القول عنه، انه مدعاة لتحمل المسؤولية وليس مجرد انتقاد الاخرين لانهم عاجزون عن القيام بواجباتهم الوطنية – الدستورية التي تكاد تشبه سلة المهملات التي ترمى فيها كل ما لا يحتاجه الانسان، على رغم ان نفاياتنا مشتتة منذ اشهر طويلة لان قرار تنظيف البلد يحتاج الى من يتقاسم الاموال مع الدولة؟
ان تأخير انتخاب رئيس للجمهورية لا يتطلب دفعات مالية على الحساب والا لما تأخر احد نوابنا عن الحضور الى مجلس النواب وربما لو خصصت اموال مقابل لكانت الامور قد سويت برئيس من حواضر البيت، وهؤلاء اكثر من الهم على القلب ولا يعقل ان يرفضوا تقاسم الجبنة الرئاسية بدليل ان مشكلة مثل النفايات لم تحجب عنها الاهتمامات المالية، والمصالح الخاصة، الا في حال كان الجميع من رأي ايران التي تنظر الى استحقاق بحجم رئاسة جمهورية وكأنه يحتاج الى فقدان الذاكرة؟!
وثمة من يجزم في مجال عدم انتخاب رئيس ان الامور غير مرشحة لانجاز الاستحقاق لخلافات خارجية مرشحة لان تتصاعد وتيرتها قياسا على ما هو سائد بين ايران والمملكة العربية السعودية حيث لكل طرف منهما وجهة نظر مختلفة عن الاخر، لكنها في النتيجة تلتقي على تجنب انتخاب رئيس لمجرد انه مطلب لبناني، من غير حاجة الى القول في مقابل كل ما تقدم ان امورنا مرهونة بمصالح الخارج ولا مجال امام البحث عما يرضي مصلحة الداخل طالما ان الجميع ينظر الى مصالح غير لبنان وغير وطنية؟!
هل يمكن توقع انتخاب رئيس في الجلسة الثامنة والثلاثين؟ المطلعون على بعض تفاصيل الداخل يستبعدون ان يكون للبنان رئيس من الان الى حين اجراء انتخابات نيابية تكفل وحدها ما يجب ان يكون عليه مجلس النواب من تصحيح في الهيكلية النيابية ذات العلاقة بحرية الحركة، بما في ذلك تقديم الاهم الوطني على المهم الخارجي، وهذا مرتقب في حال حسمت الانتخابات النيابية بشكل واضح وصريح من هو مع لبنان ومن هو مع مصالح خارجية؟!