من مفارقات اللعبة السياسية في لبنان، ان رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية أعلن في بدايات معركة رئاسة الجمهورية أنه مستعد لأن يتراجع عن ترشيحه في حال كان رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون مرشحاً للرئاسة، لكن بما ان الجنرال مستمر في ترشيحه، فإن فرنجية قال صراحة أنه لن يتراجع عن معركته الرئاسية حتى ولو بقي نائب واحد معه. كما سبق له القول ان العماد قد يؤمن عدداً مرتفعاً من الاصوات النيابية الناخبة من غير ان يعني ذلك أنه قادر على ان يكون رئيساً للجمهورية؟؟
أما وقد تغيرت الحسابات، فإن فرنجية وجد الفرصة متاحة أمامه لأن ينكت على الجنرال من خلال تصويره سيارة برتقالية تتحرك بالرموت كونترول مندفعة في أكثر من اتجاه غير متوازن لتصطدم بكل ما يعترض سبيلها. وهذه الصورة الكاريكاتورية لا تشبه شيئاً من حياتنا السياسية باستثناء القول إنها (السيارة) غير مؤهلة لأن تخوض سباقاً رئاسياً او مجرد تحرك من الصعب التحكم به من غير حاجة الى كونترول، وهذا التشبيه يدل صراحة على وجهة نظر فرنجية بتده، ربما لأنه بات يشعر بأن أوراقه الرئاسية أفضل مما لدى عون.
هذه ليست مجرد تعبير عن وجهة نظر يستحيل على أي كان مقاربتها، الا في حال وصول العلاقة بين عون وفرنجية الى نقطة اللاعودة الى أيام زمان، حيث كانا على علاقة وطيدة حاذر الجانبان تخطيها لعدة اعتبارات في مقدمها أنهما لم يكونا يريدان مصلحة طرف ثالث في أي تباين يمكن ان يتطور بينهما الى تباعد قسري يستفيد منه رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، الذي وجد نفسه في المرحلة الأخيرة، وكأنه على خط واحد مع الجنرال خصوصاً عندما صرف النظر عن ترشيح نفسه تاركاً المعركة لمصلحة العماد من خلال تفاهم سياسي ذكي أشتغل عليه الطرفان طويلاً كي يتجنبا تباينات الشارع المسيحي؟؟
خلاصة القول إن المعركة الرئاسية وصلت بعون وفرنجية الى طريق اللاعودة الى الوراء ما يؤهل جعجع منفرداً ان يقطف ثمارها في حال وصل الجنرال الى قصر بعبدا، لاسيما ان جعجع لم يكن في وارد التكويع عن السباق الرئاسي لولا شعوره، بما في ذلك معرفته من خلال طرف ثالث ان عون هو الأقرب من كل ما عداه الى الرئاسة، خصوصاً ان زوار معراب من سفراء عرب وأجانب باتوا في وضع المقتنع بأن عون لم يعد بعيداً من ربح معركة رئاسة الجمهورية، فيما وضعت أسهم الآخرين عند حد اعتبارهم أقل مستوى من الأهلية الرئاسية؟!
ان تصرف فرنجية يدل على أنه غير مقتنع الى الآن بأنه فرس رهان معركة رئاسة الجمهورية، فيما الأمور متاحة أمام عون لأن يكون أقرب الى قصر بعبدا، والشيء بالشيء يذكر بالنسبة الى الذي سيستفيد منه جعجع في حال ربح حليفه عون بعكس كل من ينظر الى المعركة من منظار سياسي بعيد من الواقع، لاسيما ان المجالات السياسية مرشحة لأن تتطور في أكثر من مشهد سياسي لا بد وأن يحسب في مصلحة الجنرال قبل أية مصلحة أخرى من بين المتنافسين على الرئاسة الأولى، بحسب مجموعة دلائل سياسية وديبلوماسية تعرف كيف تختار معلوماتها بدقة متناهية وحذرة في وقت واحد.
على رغم كل ما تقدم فإن السياسة فن المستحيل، وما يقال اليوم عن الصراع الرئاسي قد يتغير في المستقبل المنظور، خصوصاً ان الجميع على أعصابهم ولا يدرون ما هي مجالات التحرك عندما تتطور الأمور بشكل سلبي لن يكون فيه مكسب لأي طرف. والمقصود هنا عون وفرنجية حيث لكل منهما حيثياته ونظرته المختلفة الى الأمور العامة وما أكثرها في الأوقات الحرجة التي تعني كل طرف بنسبة تورطه السياسي في مواقف ليس في وارد تقبلها؟!
وطالما ان النائب فرنجية قد أخذ راحته في التنكيت عبر السيارة البرتقالية، فإن جماعة التيار لم يقصروا في القول ان المعركة التي يخوضونها تحتاج الى مزيد من التعقل والروية، لكن عندما يحين أوان التنكيت سيكون لنوابه مجموعة اراء تغضب الخصم والصديق على حد سواء، خصوصاً ان ثمة مآخذ لا تعد ولا تحصى يمكن ان تنسب الى الخصم عندما تدعو الحاجة، وهذا من ضمن مجموعة آراء لا بد من اعطائها الوقت اللازم للافادة منها، بما في ذلك التأثير في مجريات المعركة الرئاسية التي تتطلب المحافظة على أعلى درجات الأعصاب كي لا تتطور الأمور بشكل سلبي في نهاية المطاف السياسي الذي يحتم على الجميع ان تكون تصرفاتهم على درجة عالية من الرصانة (…) ومن فن الممكن؟!