IMLebanon

جونز قائماً بالأعمال موقتاً في إنتظار السفيرة

تحت وطأة ما يجري في جواره، بين الفلسطينيين والاسرائيليين كما الصراع الدولي على سوريا، بالكاد يُبصَر لبنان على خارطة الديبلوماسية الاميركية. بل لم يعد يُبصر ابدا مذ عُهد الى السفير في ادارة استقرار هذا البلد

يغادر السفير الاميركي دايفيد هيل بيروت نهاية هذا الشهر، منهيا مهمته في لبنان منذ ايلول 2013، توطئة لانتقاله الى باكستان. لكن ثمة سابقة اميركية تمهد لوصول السفير الخلف، هي تعيين السفير المتقاعد ريتشارد جونز للحلول محل هيل في مرحلة انتقالية موقتة، على ان يشغل منصب قائم بأعمال السفير الى حين موافقة مجلس الشيوخ على اليزابيت ريتشارد سفيرة اصيلة في بيروت.

كان جونز ترأس سفارة بيروت بين عامي 1996 و1998 في عزّ الحقبة السورية في هذا البلد، قبل ترؤس سفارة بلاده لدى اسرائيل بين عامي 2005 و2007. بدورها السفيرة الجديدة خدمت في اليمن بين عامي 2010 و2013. الا ان ملف انتدابها الى العاصمة اللبنانية ينتظر احالته على البيت الابيض، ومنه على مجلس الشيوخ تحضيرا لمناقشة قرار التعيين والمصادقة عليه، او رفضه. وكان سبق ان شهدت العلاقات الديبلوماسية اللبنانية ــــ الاميركية حالين مشابهتين، هما وجود قائم بالاعمال موقتا من جراء شغور رئاسي: جون مكارثي عام 1989 حتى تقديمه اوراق اعتماده الى الرئيس رينه معوض، وميشال سيسون عام 2008 حتى تقديمها اوراق اعتمادها الى الرئيس ميشال سليمان. بيد انه لم يسبق تعيين سفير متقاعد موقتا على نحو جونز لاسباب اميركية بحتة، صدف انها تتزامن مع الشغور الرئاسي الثالث.

يتحدث عائدون من واشنطن عن مرحلة انتقالية يتولى فيها جونز المهمة، في ظل ابطاء مجلس الشيوخ في بت موافقته على تعيين لا يقتصر على ريتشارد، بل يشمل لائحة من 35 سفيرا مرشحا لمنصب جديد في سفارات الولايات المتحدة في بلدان عدة. على ان مجلس الشيوخ لم يتردد سريعا في الموافقة على احلال هيل في باكستان، نظرا الى اهمية هذا البلد وموقعه في الاهتمام الديبلوماسي لادارة الرئيس باراك اوباما، حيث اقترانه على نحو اساسي بنشاط فاعل لتنظيم «القاعدة»، لا يتردد سلاح الجو الاميركي في مهاجمة اهدافه وقواعده وقادته.

لكن العائدين من واشنطن يحملون معهم بضعة انطباعات من هناك ترتبط بمغزى الاهتمام الاميركي بما يجري في لبنان. بعض تلك الانطباعات:

1 ــــ ان الاهتمام بلبنان قلما يصل، في احسن احواله، الى المسؤول رقم 3 في الخارجية الاميركية، وهو وكيل وزير الخارجية للشؤون السياسية. الثالث في هرمية الوزارة بعد الوزير ونائبيه.

2 ــــ مع ان واشنطن تقسو احيانا في تقويم نظرتها الى لبنان، وخصوصا بازاء موقفه من مئات الوف النازحين السوريين المتدفقين على اراضيه برفضها اقفال هذا البلد حدوده في وجههم، او اتخاذ اجراءات وتدابير مقيّدة لنزوحهم، الا ان موظفين كباراً في الخارجية يبدون تفهّمهم قلق الحكومة اللبنانية حيال دخول هؤلاء، وقدراتها المحدودة على استيعاب اعدادهم. ناهيك بتفهم موظفي الخارجية القلق الناجم عن الاعداد تلك وتأثيرها على الامن الداخلي والاستقرار في لبنان. يتفهمون كذلك رفض لبنان استقبال الوف جديدة من النازحين.

3 ــــ يتوقف الموظفون الكبار هؤلاء عند ما يسمّونه الموجة الثانية من تدفق النزوح السنّي الى الاراضي اللبنانية، بعد الموجة الاولى للاجئين الفلسطينيين وما تبعها على مراحل لسنوات طويلة منذ عام 1948. مع ذلك تلاحظ الخارجية ان اعدادا وفيرة من النازحين تغادر لبنان للذهاب الى اوروبا، كي تتحوّل عبئا اضافيا على قارة عجوز بدأت تتوجس من آثار الهجرة غير الشرعية هذه.

4 ــــ يثابر موظفو الخارجية الاميركية على تأكيد اهتمامهم بالاستقرار في لبنان وضرورة المحافظة عليه، ولا يترددون في تكرار ما يتحدث عنه السفير في بيروت، وخصوصا هيل في السنوات الثلاث الاخيرة على الاقل، من ان واشنطن لا تتوقف عن ارسال مساعدات عسكرية سنوية الى الجيش بلا مقابل، على انها منحة. لسنوات اقتصرت المساعدات العسكرية على ما بين 75 و90 مليون دولار، الى ان ارتفعت قبل اكثر من شهر الى 150 مليونا بغية تعزيز تسليح الجيش ومدّه بالعتاد الجديد وتطوير قدراته على مواجهة تحديات الارهاب له، وقد تزايدت اخطاره وبات منذ مطلع آب 2014 على الحدود الشرقية للبلاد.

بدورهم الموظفون الكبار يؤكدون استمرار رهانهم على الاستقرار من خلال رهانهم على الجيش والدور الحيوي والفاعل الذي يقوم به، اكثر منه تعويلهم على تصرفات الطبقة السياسية المنشغلة بخلافات صغيرة تصم واشنطن وسفيرها في بيروت الآذان عنها. لم يتأخر بعض اؤلئك الموظفين الملمين في القول: تبدأ مشكلات السياسيين اللبنانيين صغيرة، ثم تكبر من خلال اخطائهم ويعجزون عن حلها.

5 ــــ لا يخفي هؤلاء، من خلال تتبعهم تقارير دورية للسفارة في بيروت، مراقبتهم تحركات مجموعات المجتمع المدني وانشطته في الشارع، وقد اختلط في بعضها شق الفوضى والاضطرابات بشق مطالب مشروعة لا يسع الخارجية الاميركية الا تبريرها وتفهمها. مع ذلك لفتهم، في ضوء تحركات الاسابيع الاخيرة، انحسار فاعلية نشاطات حملات المجتمع المدني. لا يكتمون استنتاجهم التآكل البطيء المتدرّج لتلك الحملات من جراء اصطدامها بالتوازن الطائفي القائم في هذا البلد.

اثار اهتمامهم ايضا حذر الطبقة السياسية، بانتماءاتها المتشعبة والمتناقضة في آن، من محاولة حركات المجتمع المدني تخريب التوازن الطائفي الحالي الذي بات يمثل ــــ على وفرة المساوىء التي يعبّر عنها من خلال الطبقة السياسية الممثلة له ــــ عاملا رئيسيا للاستقرار السياسي.