IMLebanon

جونغ أون – دونالد ترامب: لقاء أم مسار؟

 سيبقى التحوّل من التهديد باستخدام «الزر النووي»، إلى تحديد موعد نهائي للقاء قمة بين كيم جونغ أون زعيم كوريا الشمالية ودونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأميركية لغزاً كبيراً لن يُحل ولن تُعرف أسراره قريباً. في قفزة واحدة، انتقل العالم من «الرقص» على حافة «الهاوية النووية»، إلى تحديد موعد نهائي لقمة مباحثات من أجل إقامة السلام في 12 أيار القادم.

 

العالم كله تحمّس لهذا التحوّل. لا يهمّه مَن شجّع وبادر ورسَمَ ونفّذ. المهم أن تعقد القمة، وأن يتحدث أون وترامب وجهاً لوجه.

 

قبل أسابيع سخر ترامب من وزير خارجيته لأنه تحدث عن «محاولة لإجراء حوار»، متّهماً إياه بأنّه «يُهدر وقته». قد يكون كل هذا مجرد «دخان» لإخفاء ما تتم حياكته. ويبدو أنّ هذا نجح في إخفاء الاتصالات تمهيداً لإنجاحها. لا شك أن النجاح في تحديد موعد للمباحثات جاء نتيجة «قرار حازم ومنفتح» من جانب الزعيم الكوري الشمالي، وتجاوب سريع من ترامب الذي يريد تحقيق نجاح ولو محدود حتى يجعل ترشيحه لولاية ثانية مفيداً وواعداً بالنجاح.

 

توقف كوريا الشمالية عن التجارب الصاروخية والنووية، كان إشارة حقيقية بإمكانية هذا التحول، العالم لم ينتبه لها. فقط في واشنطن وموسكو وبكين وربما طوكيو وطبعاً سيول، أمسكوا بما يمكن أن يُطلَق عليها مبادرة إيجابية ومشجّعة.

 

واشنطن استعجلت هذه القمة، ليس خوفاً من «يوم القيامة النووي»، ولكن لأن كوريا الشمالية المستندة إلى بكين وموسكو أصبحت متعبة، ليس بصواريخها فقط، ولكن بالمشاركة الصينية – الروسية بالقرار في المنطقة في وقت عادت فيه «الحرب الباردة» قوية وواعدة بالخطر. الرغبة بالنجاح لم تكن أميركية فقط. الدليل أنه فور الإعلان عن موعد القمة أعلن سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي «أنّ ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح». أما الرئيس الصيني «إلى الأبد» شي جين بينغ فقد «حضّ ترامب على إجراء الحوار في أسرع وقت» مؤشراً بذلك إلى أنّه يتابع المباحثات، وهذا طبيعي جداً. ذلك أنّ «مربط» كوريا الشمالية عند الصيني، ومن الطبيعي أن يجهد الرئيس الصيني، وهو يحتفل بالثقة الرسمية في إظهار موقعه ودوره في صناعة القرارات الدولية التي تعطي بلاده وزناً سياسياً دولياً ضخماً. الأهم ألا تبدو القمة وكأنّها تهميش للصين، خصوصاً إذا كانت التحضيرات لها تمّت بعيداً عن بكين، بالتوافق بين بيونغ يانغ وواشنطن.

 

دونالد ترامب، الذي إذا نجحت قمّته مع جونغ أون، سيدخل التاريخ كما سبق ودخل الرئيس ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر من بوابة اللقاء مع ماو تسي تونغ قاعة صناعة التاريخ الحديث.

 

ترامب يبدو واعياً لدقائق هذا اللقاء لذا قال: «إن هذه المحادثات قد تُشكّل نجاحاً هائلاً وستفضي إلى أعظم اتفاق للعالم». في قلب هذا التفاؤل، تحديد واضح إلى أنّ ما سيجري هو محادثات وليس مفاوضات. وهذا طبيعي جداً. لا يمكن القفز بسرعة صاروخية من اللقاء الأول إلى التوقيع قبل المرور بطاولة المفاوضات. من المؤكد أنّ المفاوضات ستكون طويلة وصعبة جداً. مهما بلغت رغبة الطرفين الأميركي والكوري الشمالي في النجاح، فلا يمكنهما العمل من دون الأخذ في الاعتبار ماذا تريد الصين، وما هو موقعها في كل ذلك؟ خصوصاً أنها وإن كانت تشجع على الحوار إلا أنّها كانت تؤكد دائماً على موقعها على طاولة المفاوضات، ولذلك كانت تُصرّ دائماً على استئناف «المفاوضات السداسية» التي تضم واشنطن وطوكيو وموسكو وبكين والعاصمتَين الكوريّتَين. ستتطلب المفاوضات عقد عدة قمم أميركية – كورية شمالية. ويبدو أنّه كلما تقدمت المفاوضات خطوة، انضم إلى طاولتها الآخرون، أي الصيني والروسي والياباني.

 

لا شك، أنّ نجاح المفاوضات، سيحقق اتفاقاً يتجاوز بكثير الاتفاق النووي مع إيران. بوضوح أكثر سيرسم هذا النجاح بداية لتحوّلات كبرى. المهم معرفة كيفية استثمار هذا النجاح، لأنه ينقل العالم نحو مسار جديد مختلف جداً. أهمية ذلك أنّه يأتي في وقت يتم فتح مسار لحرب باردة ثانية، تبدو الأولى بكل الحروب المائة التي وقعت خلالها حتى انهيار الاتحاد السوفياتي تجربة محدودة أمام ما يمكن أن يحصل في «الجديدة»، لأنها ليست محصورة بين موسكو الطامحة وواشنطن المتراجعة فقط، وأيضاً بكين التي لا تترك مناسبة ولا فرصة إلا وتضرب يدها على الطاولة مؤكدة وجودها وقدراتها الاقتصادية والعسكرية.

 

مثل هذا التحوّل يطرح سؤالاً مشروعاً وضرورياً، هو ما حجم انعكاسه على الأزمات الكبرى في العالم، وهل سيصبح مساراً يُعمل به؟ بوضوح أكثر هل يعتمد ترامب هذا الأسلوب للتفاهم والتفاوض المباشر مع إيران؟

 

المرشد آية الله علي خامنئي بادر إلى الرفض التام لأي حوار أو تفاوض مع واشنطن. هذا الرفض سيبقى بلا مردود. متى وقعت «التحوّلات الكبرى»، لا يمكن «السباحة ضد التيار». الغرق هو النتيجة الحتمية لمثل هذه المغامرة. ما يدفع نحو الانفتاح الإيراني باتجاه واشنطن لاحقاً، هو الخوف أن تبقى طهران وحيدة وتندم لاحقاً.

 

بداية: التعاون الصاروخي الإيراني – الكوري الشمالي، سيكون ضحية مؤكدة لأي اتفاق أميركي – كوري شمالي. بهذا ستتأثر صناعة السلاح الصاروخي الإيراني الذي يعتبره خامنئي وقادة الحرس الثوري جزءاً من الأمن القومي الذي لا يُمسّ.

 

التحوّل الداخلي نحو الانفتاح يجري بسرعة كبيرة لأن الإيرانيين يريدون أن يعيشوا ويعملوا وينتجوا ويتنقلوا مثلهم مثل كل الشعوب في العالم. حرمان أكثرية الشعب الإيراني من هذا التحول، سينتج حكماً انفجاراً ضخماً، يبدو الوعي بنتائجه الخطيرة منتشراً في قلب «إيران العميقة». السيد حسن الخميني حفيد الإمام الخميني طالب بـ«الإصغاء إلى مطالب الشعب.. خصوصاً أن الاحتجاجات الأخيرة اندلعت لأسباب اقتصادية».. وكان الرئيس حسن روحاني قد حذّر من «عدم سماع صوت الشعب».

 

العالم كله على موعد تاريخي في 12 أيار القادم..

 

من الواضح أن مساراً جديداً سيبدأ، ولا يمكن لأحد أن يتجاهله حتى ولو أحيا كل شعارات «الموت»، فالعالم وخصوصاً الإيرانيون يريدون أن يعيشوا.